حول إجهاض الجنين

الاِجهاض إلقاء حمل ناقص الخلق بغير تمام، سواء من المرأة أو من غيرها، وكثيراً ما يعبر عن الاِجهاض بالاسقاط أو الطرح أو الالقاء، وفي المقام مطالب ننقلها عن الاَطباء:

1 ـ الثابت في علم الاجنّة أنّ الحياة موجودة في الحيوان المنوي قبل التلقيح وموجودة في البويضة قبل الالتقاء، وقد يلتقي الحيوان المنوي والبويضة ويسفر عن ذلك حمل عنقود وليس إنساناً، والحمل العنقودي ليس جنيناً، وانما مجرد خلايا لا تكون في مجموعها أي شكل من الاَشكال وانما شكلها شكل عنقود العنب، وبعد فترة من الزمن يتقلص الرحم ويطرد هذا المحتوى، ولكن ليس فيه ما يدلّ على الاِنسان أو على صورة الاِنسان أو على الحياة، وهو أيضاً نتيجة التقاء الحيوان المنوي بالبويضة.

2 ـ فترة الانشاء ـ يعني به قوله تعالى: (ثم انشاناه خلقاً آخر)ـ

حسبما رأيناه في الفيلم أنّه في الاسبوع السادس أو السابع بعد الفترة من الاسبوع الاَوّل إلى الاسبوع السادس كانت مجموعة من الانسجة لم تظهر بالفيلم وإنما ظهر لنا من بعد الاُسبوع السادس، وبعد الاَربعين يوماً بدأ يتخلق، بدأ يظهر الرأس وتظهر الاَطراف، بدء خلق آخر... (و) من بعد الاُسبوع السادس ما هو إلاّ نمو وليس تكويناً جديداً.

3 ـ إنّ الجنين يتحرّك ويتحرك من قبل نهاية الشهر الرابع بزمن طويل ولكن السيدة لا تحس به لاَنّ الكيس المائي الذي يسبح فيه يكون في البداية كبيراً فسيحاً بالنسبة لجسمه الصغير، ويمر زمن حتى يكبر الجنين فيستطيع لكماته وركلاته أنْ تطال جدار الرحم فتشعر بها السيدة بعد أربعة أشهر حمليته، بل إنّ لدينا الآن من الاجهزة ما نسمع به دقات قلب الجنين وهو في الاُسبوع الخامس، ولدينا من الاجهزة مانرصد به حركة الجنين حتى من قبل ذلك....

وقيل: إنّ الحركة متصلة قبل ذلك، لاَنّ الخلايا منذ المراحل الاُولى في حركة، حتى إنْ لم ترها الاجهزة لاَن الخلايا تتحرك وترتب نفسها إلى آخره.

4 ـ مبررات الاجهاض في الغرب قد اتسعت حتى بلغت خاتمة المطاف بالاجهاض حسب الطلب!!! ومن المبررات الدواعي الطبية، لكن وسع في بعض البلاد مدلولها فبدأت بالخطر على حياة الاُمّ ان استمر الحمل، ثم الخطر على صحتها، ثم على صحتها الجسمية أو النفسية ثم عليها في الحاضر وفي المستقبل المنظور، ثم على الصحة الجسمية أو النفسية لاَفراد الاُسرة الآخرين بما فيهم الابناء الشرعيون أو الابناء بالتبني، ويدخل فيها الدواعي الجنينية كالحالات التي يتيقن أو يترجح فيها ان الجنين مصاب بمرض أو عاهة أو مات فعلاً.

ومنها الدواعي الانسانية كالحمل الناتج عن الاغتصاب أو وقاع القاصرة أو المجنونة.

ومنها الدواعي الطبية الاجتماعية كغزارة الانجاب أو تقارب الولادات والآثار الجسمية أو النفسية التي لا ترقى لدرجة المرض.

ومنها أيضاً صغر السن أو كبره.

5 ـ ربما اُبيح الاجهاض كوسيلة لتحديد النسل ولتخفيف حدة الانفجار، فزاد عدد حالات الاجهاض القانوني من ربع حالات الحمل ثم جاوزها في بعض الدول، ورأت الدولة ان الامة تمارس لوناً من الانتحار بالانقراض! ولا حاجة إلى تفصيل هذا البحث.

6 ـ تظهر الحقيقة في إباحة الاجهاض من كلام بعض الاَطباء، حيث أعلن في الاذاعة البريطانية أنّ قانون الاجهاض الجديد قد احتضنته مجموعة من المشاغبين قليلة العدد ولكن قوية التنظيم غزت الرأي العام بالدعاية المغرضة المحرفة وسخروا الصحافة في غسل مخ الاُمة بشعار الاجهاض حسب الطلب، وباموال مجلوبة من الخارج طبعوا وروجوا كتيباً يشرح القانون الجديد باسلوب مغرض... وعندما عرضنا المساهمة في البحث قال أحد اعضاء البرلمان: نحن هنا لنشرّع لنسمع لآراء الفنيين.

7 ـ الآثار المباشرة لتنفيذ قانون إباحة الاجهاض.

أولاً: زيادة مضطردة في حالات الاجهاض لدرجة شغلت من اسرة المستشفيات ومن وقت الاطباء الاختصاصيين ما عطل علاج المريضات بالامراض الاُخرى.

ثانياً: كان من بين النساء المجهضات 44 بالمائة فقط متزوجات وأما الـ 56 المائة الباقية فكانت احمال سفاح في بنات (37 بالمائة) أو مطلقات وارامل (9 بالمائة)، وفي أمريكا بلغت نسبة حمل السفاح بين المجهضات درجة أعلى من ذلك، فقانون إباحة الاجهاض انما يلبي الحاجة إلى السفاح.

ثالثاً: كانت ثلاث مستشفيات خاصة في لندن ـ وبطبع الحال في جميع المدن الكبيرة الغربية أو معظمها ـ تجري من الاجهاضات أكثر مما تجريه مستشفيات منطقة لندن المجانية الحكومية...، وهذا يدلّ على مدى الاستغلال التجاري للاجهاض.

رابعاً: رغم إباحة موانع الحمل وإباحة الاِجهاض فقد زادت نسبة

ولادات السفاح إلى الولادات الحلال زيادة كبيرة... مما يدلّ على أنّ لب القضية هو تفشي الاِباحة الجنسية.

إذا علمت ما حكاه الاَطباء المسلمون الخبراء حول الاجهاض وبعض حالات الجنين فهنا مطالب لا بد من ذكرها:

(المطلب الاَوّل) حول نظر الدين في حالات الجنين.

1 ـ قال الله تعالى: (يا أيها الناسُ إنْ كنتم في رَيبٍ من البعث فإنّا خلقناكم من تراب ثُمّ من نطفةٍ ثُم من علقةٍ ثُم من مضغةٍ مخلّقةٍ وغير مخلّقةٍ لنبّين لكم ونُقِرُّ في الاَرحام ما نشاء إلى أجلٍ مسمّى ثُمّ نخرجُكُم طفلاً...) (الحج 5)

2 ـ وقال تعالى: (ولقد خلقنا الاِنسانَ من سُلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقةً فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) (المؤمنون 12 ـ 14).

ومدلول الآيتين أنّ مراحل الحمل أو الجنين في الرحم هي:

1 ـ كونه نطفة.

2 ـ ثم كونه علقة.

3 ـ ثم كونه مضغة. (وان لم نفهم معنى كونها مخلقة وغير مخلقة كما أُشير في الحاشية).

4 ـ ثم كونه عظاماً ولعله على وجه اشرنا اليه في الحاشية.

5 ـ ثم كسو العظام لحماً (أي كونه ذا عظام مستورة باللحم).

6 ـ إنشاءه خلقاً آخر (أي نفخ فيه الروح فصار حياً بحياة إنسانية على ما ذكرنا في الحاشية).

ولم يوقّت القرآن هذه الحالات المترتبة بوقت معين، فإذا ثبت في علم الطب وعلم الاَجنة ثبوتاً حسياً أو قطعياً تحديدها فالاَخذ به لا ينافي القرآن كما هو واضح.

نعم قد يقال: إن الطب ينكر صيرورة النطفة علقة ومضغة، بل هي تنقلب إلى كتلة من الخلايا فتنموا حتى تكتمل وتصير بدن انسان.

لكن بعض المؤمنين في لندن أتحفني بشريطة ويدوية وقال: إنّ عالماً من كندا اعترف أنّ ما ذكره القرآن حول حالات الجنين هو المطابق للمشاهدة الحسية، فانا اؤمن بأن القرآن كلام الله لكنني لا أتدين بدين الاِسلام ولا أرجع عن ديني، فإنّ أهلي من الاساقفة!

وانا أردت ترجمة كلامه لكن صوت الشريط لم يكن حسناً فما قدرت على فهم كلامه تفصيلاً.

وبالجملة: رغم سعيي في باكستان لمشاهدة فيلم في ذلك لم اعثر عليه فما دام لم أرَ الفيلم لا استطيع الكلام حول هذا الاِدعاء نفياً أو إثباتاً.

وأمّا الاَحاديث فإليك ما وجدت منها من غير ما هو ضعيف سنداً:

1 ـ صحيح البزنطي المرويّ في قرب الاسناد عن الرضا عليه السلام ...: إنّ النطفة تكون في الرحم ثلاثين يوماً، وتكون علقة ثلاثين يوماً، وتكون مضغة ثلاثين يوماً، وتكون مخلقة وغير مخلقة ثلاثين يوماً، وإذا تمت الاَربعة أشهر بعث الله تبارك وتعالى ملكين خلاقين يصورانه ويكتبان رزقه

وأجله شقياً أو سعيداً. ص154 ج5 بحار الاَنوار.

أقول: مضافاً إلى عدم فهم كونه مخلقة وغير مخلقة حتّى يفهم جعل ثلاثين يوماً لهما يرد عليه ان عدد الثلاثين يخص هذه الرواية ولا يوجد في غيرها وكأنه شاذ على أنْ السند وإن كان صحيحاً لكن الظاهر عدم وصول نسخة قرب الاِسناد ـ وهو مصدر الحديث ـ إلى المجلسي رحمه الله مؤلّف البحار بسند متصل صحيح وانما ينقل عنه بالوجادة كما سنح لي أخيراً، فلا تكون الاَحاديث المنقولة منه في البحار والوسائل بمعتبرة.

2 ـ معتبرة الحسن بن الجهم المرويّ في الكافي (ج6 ص13) قال: سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يقول: قال أبو جعفر عليه السلام : إنّ النطفة تكون في الرحم أربعين يوماً ثم تصير علقة أربعين يوماً ثم تصير مضغة أربعين يوماً، فإذا كمل أربعة أشهر بعث الله ملكين خلاقين فيقولان: يا رب ما تخلق ذكراً أو انثى؟» فيؤمرون...

3 ـ صحيح زرارة الطويل المرويّ في الكافي (ج6 ص13) عن أبي جعفر عليه السلام ...: فتصل النطفة إلى الرحم فتتردّد فيه أربعين يوماً (صباحاً خ)، ثم تصير علقة أربعين يوماً، ثم تصير مضغة أربعين يوماً، ثم تصير

لحماً تجري فيه عروق مشتبكة، ثم يبعث الله ملكين خلاقين يخلقان في الاَرحام ما يشاء الله، فيقتحمان في بطن المرأة من فم المرأة فيصلان إلى الرحم ـ وفيها الروح القديمة المنقولة في اصلاب الرجال وأرحام النساء فينفخان فيها روح الحياة والبقاء ويشقان له السمع والبصر وجميع الجوارح وجميع ما في البطن باذن الله، ثم يوحي الله إلى الملكين اكتبا عليه قضائي ونافذ أمري...

وفي صحيح آخر لزرارة ـ بل هو مختصر حديثه الطويل المتقدم ظاهراً ـ: ثم يبعث الله ملكين خلاقين فيقال لهما: اخلقا كما يريد الله ذكراً أو اُنثى (ج6 ص16 الكافي).

بقى اُمور. مما يتعلق بهذه الاَحاديث المذكورة هنا وفي آخر المسألة المتقدّمة:

(الاَوّل): إنّ الاَحاديث لم تذكر لحالة العظام وكسوها لحماً مدّة كما ذكرتها لحالة كون الجنين نطفة وعلقة ومضغة، بل بعضها أهملهما أساساً، وهذا عجيب.

مشتبكة داخلة في زمن كونه مضغة كما تقدم في صحيح محمّد بن مسلم في آخر المسألة السابقة وقد يتوهم ان ظاهر قوله تعالى: (فخلقنا المضغة عظاماً وكسونا العظام لحماً) يوافق هذه الصحيحة دون صحيحة محمّد بن مسلم. لكنه ممنوع كما لا يخفى.

ولعله إشارة إلى الحياة الكامنة في الحيوان المنوي والبييضة كما هي غير بعيدة وهذه الجملة خير مسكن للاَطباء الذين يدعون ان حياة الجنين قبل تمام أربعة أشهر لم تكن معلومة في الاَزمنة السابقة. قال بعض الاَطباء: الحقيقة ان الحياة متصلة ليست في الحيوان المنوي والبويضة فقط، لكن من خلق آدم الى يوم القيامة متصلة باستمرار لم تنقطع أبداً، خلق النطفة هو اتحاد هاتين... ص284 الانجاب في ضوء الاسلام.

(الثاني): ظاهر صحيح محمّد بن مسلم السابق أنّ شق السمع والبصر وترتيب الجوارح بعد خلقة العظام، وظاهر معتبرة ابن الجهم أنّ خلق ما يتحقق به الذكورة والاُنوثة بعد تمام أربعة أشهر، وهذا ينطبق على سابقه نوع انطباق. وظاهر صحيح زرارة أنّ شق البصر والسمع وجميع الجوارح وجميع ما في البطن ـ أي بطن الجنين ظهراً ـ انما هو حين نفخ الروح فيه، أي كل ذلك بعد أربعة أشهر، وكل ذلك مخالف لما يقوله الاَطباء كما ستمر أقوالهم بك بعد ذلك، فإنْ ثبت أقوالهم بالحس أو القطع فلا بد من تأويل هذه الظواهر أو ردها إلى مَن صدرت عنه، فإنّ التأويل الخارج عن المتفاهم العرفي كلفة لم نؤمر بها.

(الثالث): مرّ في الحاشية دعوى بعض الاَطباء أنّ العظام تبدء في التكون في الاُسبوع الخامس (35 يوماً بعد الحمل)، فانْ صّح فهو ينافي الاَحاديث جزماً.

الاقاويل حول تطور الجنين

1 ـ قال بعض الكتاب: في الاُسبوع الثالث يتكون أوّل ظواهر الرأس والقلب ثمّ يتكّون في جانب الجنين شيء مدور متصل بسرة الجنين، وذلك الشيء هو الذي يأخذ عصارة الغذاء والماء والهواء التي تستفيد منها الاُم بواسطة أجهزتها ويعطيها للجنين، ومن الاَُسبوع السادس يتكّون حول الجنين ثلاثة حجابات لحفظه عن الهواء والماء والنور وغيره، ولعله المراد بقوله تعالى: (في ظلمات ثلاث).

وقيل: كما هو معروف: إنّ الجنين في الاَسابيع الثمان الاَوَل من الحمل ليس له أعضاء أو أنسجة يمكن الاستفادة من نقلها، وبعد تلك المدة (6 ـ 8 أسابيع) تأخذ أعضاء الجنين وأطرافه في النمو.

2 ـ أوصت لجنة وارنوك في بريطانيا بجواز التجارب على الجنين في الايام الاَربعة عشر الاَُولى على اعتبار ان تكوّن الجهاز العصبي يبدأ بعدها....

3 ـ لاحظ ما مرّ في البند الثاني والثالث في أوّل هذه المسألة.

4 ـ لاحظ مايأتي نقله في أوائل المسألة الثامنة حول أطفال الانابيب.

5 ـ لاحظ ما يأتي في أوائل المسألة السابعة والعشرين حول المبيضين وزرع الخصية.

(المطلب الثاني): يحرم الاِجهاض مطلقاً ـ قبل ولوج الروح أو بعده ـ ولم ينقل عن أحدٍ من فقهاء الشيعة خلاف في ذلك، وأما فقهاء أهل السنة فجمع منهم على جوازه قبل ولوجها، ولهم أقاويل لكن حرموه بعد الولوج على ما قيل.

ودليل الحرمة عندنا حديثان: أحدهما معتبرة اسحاق المروية في الفقية: قلت لاَبي الحسن عليه السلام ، المرأة تخاف الحبل فتشرب الدواء فتلقي ما في بطنها ـ قال: لا، فقلت: إنما هو نطفة، فقال: إنّ أوّل ما يخلق نطفة.

ثانيهما صحيح رفاعة المرويّ في الكافي: قلت لاَبي عبدالله عليه السلام : اشتري الجارية فربما احتبس طمثها من فساد دم أو ريح في رحم فتسقى دواء لذلك، فتطمث من يومها؟ فقال لي: لا تفعل ذلك، فقلت له: إنما

ارتفع طمثها منها شهراً، ولو كان ذلك من حبل انما كان نطفة كنطفة الرجل الذي يعزل، فقال لي: إنّ النطفة إذا وقعت في الرحم تصير إلى علقة ثم إلى مضغة ثم إلى ما شاء الله، وإنّ النطفة إذا وقعت في غير الرحم لم يخلق منها شيء فلا تسقها الدواء إذا ارتفع طمثها شهراً وجاز وقتها الذي كانت تطمث فيه.

أقول: لا يبعد أنّ قيد الشهر لم يكن له خصوصية وانما ذكره الامام تبعاً لفرض السائل والملاك هو مطلق ارتفاع الطمث، ومنه يظهر دلالة الحديث على وجوب الاحتياط وعدم إجراء استصحاب عدم الحبل كما هو القاعدة في كلّ ما شك في حدوثه، وهذا يحكي عن اهتمام الشارع بالنطفة.

(المطلب الثالث): في حكم الاِجهاض الوضعي، وهو لزوم الدية.

1 ـ دية الجنين إذا كان بحكم المسلم الحر وكان تام الخلقة ولم تلجه الروح مائة دينار كما نقله في الجواهر عن المشهور ولم ينسب الخلاف فيه إلاّ الى النعماني، فإنّه أوجب الدية كاملة، وإلاّ إلى الاسكافي، فأوجب فيه غرة عبداً أو أمة إذا كانت الام مسلمة، وقدر قيمة الغرة قدر نصف عشرة الدية.

2 ـ ظاهر الروايات عدم الفرق بين الذكر والاُنثى في الدية هنا (أي فيما لم تلجه الروح) ولم ينقل الخلاف فيه إلاّ عن الشيخ رحمه الله في مبسوطه.

3 ـ لو كان الحمل زائداً عن واحد فلكل واحد ديته كما في الشرائع والجواهر.

4 ـ لم يوجب الفقهاء الكفارة على المجهض لعدم صدق القاتل عليه

بعد فرض عدم ولوج الروح في الجنين.

5 ـ في إجهاض الجنين الذي ولجته الروح قطعاً دية كاملة للذكر ونصفها للاُنثى في الحر المسلم بلا خلاف للنصوص.

6 ـ تجب الكفارة في فرض ولوج الروح مع مباشرة الجناية بلا خلاف ولا اشكال لتحقق موجبها كما في الجواهر.

7 ـ هذا كلّه في الجنين الذي ولجته الروح والذي لم تلجه وكان تام الخلقة، واما إذا لم يتم خلقته ففي ديته قولان: أحدهما غُرة عبد أو امة، والاُخرى ـ وهو الاَشهر بل المشهور ـ: توزيع الدية (أي مائة دينار) على المراتب، ففيه عظماً ثمانون ديناراً ومضغة ستون وعلقة أربعون.

وفي الجواهر: وتتعلق بكل واحد من هذه المراتب الثلاث، اُمور ثلاثة: وجوب الدية وانقضاء العدة للمطلقة ـ ضرورة صدق وضع الحمل بسقوطه ـ وصيرورة الامة ام ولد، وأما النطفة فلا يتعلق بها إلاّ الدية وهي عشرون دينار بعد القائها في الرحم فجنى عليها الجاني واسقطها، دون العدة لعدم صدق وضع الحمل معها ودون الاستيلاد أيضاً.

أقول: في كلامه الاَخير نظر.

8 ـ لو ألقت الاُم حملها مباشرةً أو تسبيباً فعليها دية ما ألقته قيل بلا خلاف ولا إشكال، ولا نصيب لها من هذه الدية بلا خلاف ولا إشكال مع العمد.

9 ـ ولو افزعها مفزع فألقته فالدية على المفزع بلا خلاف ولا إشكال كما في الجواهر.

10 ـ دية أعضاء الجنين وجراحاته بنسبة ديته، قيل: بلا خلاف يوجد.

11 ـ يرث دية الجنين مَن يرث المال منه ـ لو كان حياً مالكاً ثم مات ـ على ما ذكروه في كتاب الميراث.

12 ـ مَن أفزع مجامعاً فعزل فعلى المفزع عشرة دنانير كما ذكروه.

وهل يتعلق الدية باتلاف الجنين في الانبوبة؟ والاَظهر تعلّقها به إذا كان في مسيرة إلى الكمال والانسانية، وأما إذا لم يكن كذلك وإنما وضع فيها لمجرد الاختبار العلمي أو التلقيح فلا كما يظهر من صحيح رفاعة المتقدّم، فلاحظ وتأمل.

(المطلب الرابع) في مبررات الاِجهاض:

لا شكّ في بطلان جملة من المبررات المقبولة عند الغربين وأنها غير مشروعة ولا نطيل المقام بذكرها، وإنما نذكر ما يمكن أنْ يكون مبرراً عندنا:

1 ـ الخطر على حياة الاُم في فرض استمرار الحمل.

2 ـ الخطر على صحّة الاُم.

3 ـ استلزام الحمل والولادة حرجاً شديداً للاُم.

4 ـ موت الجنين.

5 ـ كون الجنين مصاباً بمرض أو عاهة.

6 ـ كونه عن زنا، سواء عن إكراه أو عن مطاوعة من المرأة.

أما المورد الاَوّل ففي فرض عدم ولوج الروح لا إشكال عندي في جواز الاِجهاض، بل في لزومه لدوران الامر بين الاَهم والمهم ولزوم تقديم الاَهم كما قرر في البحث عن المرجحات في باب التزاحم.

واما الدية فلا يبعد لزوم أدائها عليها لعدم ترتبها على خصوص الاسقاط المحرم، فلاحظ.

وأمّا بعد ولوج الروح فيه، ففيه بحث طويل، ملخّصه: إنّ حفظ النفس ـ ولو في بطن الاَُم ـ واجب، فإذا ماتت الاُم وجب إخراجه سالماً بشق بطنها حسب مايراه الطبيب، بل مقتضى القاعدة وجوب إخراجه وان علم بعدم بقاء الطفل إلاّ دقائق يسيرة؛ فما نقل عن الحنابلة والمالكية من عدم جواز شق بطن الحامل إذا ماتت، ولو رأينا الولد يضطرب في بطنها معللين انه هتك حرمة متيقنة لاِبقاء حياة موهومة، باطل جزماً.

نعم إذا عُلِمَ عدم امكان اخراجه حياً لم يجب.

وكذا يجب اخراجه حياً إذا عُلِمَ أنّ بقاءه في رحمها ولو مع فرض حياتها يوجب تلفه أو تلف اُمه.

وأمّا إذا دار الاَمر بين حفظ الولد وإتلاف الاَُم وعكسه لعدم إمكان التحفظ على كليهما ففيه إشكال، يقول صاحب الجواهر قدس سره : واما لو كانا معاً حيين وخشي على كل منهما، فالظاهر الصبر إلى انْ يقضي الله ولا ترجيح شرعاً، والاُمور الاعتبارية من غير دليل شرعي لا يلتفت اليها.

واختاره صاحب العروة الوثقى فقال: ينتظر قضاء الله سبحانه وتعالى حتى يتعلّق بموت أحدهما، وتبعه كل من علق على كتابه من أرباب الفتوى.

وقال بعض الفضلاء من أهل السنة: المعروف أنّ فقهاء المذاهب لا يرون جواز اجهاض الجنين لانقاذ حياة الاُم، ولم يخالف في ذلك إلاّ قلة واستدلّ بعضهم عليه بان موت الاُم به موهوم فلا يجوز قتل آدمي لاَمر موهوم.

لكن اللجنة العلمية للموسوعة الفقهية التي تصدر عن وزارة الاَوقاف في الكويت افتوا بأنّ الحفاظ على حياة الاُم أولى بالاعتبار من بقاء الجنين، لاَنها الاَصل، وحياتها ثابتة بيقين، ولاَن بقاء الجنين سيؤدي غالباً إلى وفاته بموت اُمه

أقول: وقد ذكرنا قبل عشرين سنة تقريباً في كتابنا حدود الشريعة (ج3 ص214 إلى ص216) جواز قتل الجنين حفاظاً على حياة الاُم وذكرنا دليله هنا فراجعه إنْ شئت، ولا ادري هل به قائل منا أو لا، وان كان بعض العلماء الذين ادخل كتابي ـ حدود الشريعة بتمام اجزائها ـ في موسوعته الفقهية مع الاختصار، اختاره وقد استدلّ هو عليه بوجهين آخرين أيضاً لا يخلو بعض كلامه عن اشكال أو منع عندي.

وأما المورد الثاني، فإنْ كان في رفع صحة الاُم حرجاً شديداً عليه جاز اسقاط الجنين الذي لم تلجه الروح بعد لقاعدتي نفي الحرج والعسر، بل ولقاعدة نفي الضرر، وأمّا إذا ولجتها الروح فلا تجري تلك القواعد في المقام لاَنها امتنانية في حق جميع المكلفين، فلا معنى لاَجرائها لنفع بعض وضرر بعض آخر.

أقول: لا مانع من صحّة هذا القول المشتهر بالنسبة لقاعدة نفي الضرر في المقام، وأما بالنسبة إلى قاعدتي نفي الحرج والعسر فلا نسلمها، فإنّ في شمول مثل قوله تعالى: (ما جَعل عليكم في الدين من حرج)، ومثل قوله: (يريد الله بكم اليسر)، للجنين منع واضح، بل في شموله للاَطفال غير المميزين بل المميزين إشكال، فإنّ القدر المتيقن من الخطاب فيهما (عليكم ـ بكم) هم المكلّفون، ولكن مع ذلك لا يتيسر الفتوى بجواز اتلافهما لصحة اُمها لقوله تعالى: (ومن قتل نفساً بغير نفسٍ أو فساد)، وغيره، والله العالم.

ومنه يظهر الحال في المورد الثالث، فإنّه كالثاني في الحكم.

وأمّا المورد الرابع فلا شكّ في لزوم إخراجه ولا دية فيه قطعاً، بل إذا تتضرر الاُم ببقائه لزم اخراجه في الجملة؛ كما انه يجوز إجهاض الحمل المسمّى بالعنقودي أو الحمل الحويصلي، فإنّه حمل ينتج عنه تكوين كتلة من الانسجة على شكل حويصلات مائية تشبه عنقود العنب في مظهرها، ولا تكون جنيناً أو إنساناً سوياً، وقيل: إنّ إجهاض مثله واجب طبي وتخليص الرحم منه فور تشخيصه ضروري تلافياً لحدوث مضاعفات

-خطيرة على المرأة.

أقول: وهنا مورد آخر جاز اجهاضه ولا دية أيضاً، هو ما أشار اليه بعض الاَطباء بقوله: بعد ما سبق كما انه معروف ـ علمياً ـ أنْ ليس كل لقاح بين حيوان منوي وبويضة يكون الناتج عنه جنيناً قابلاً للحياة، بل قد يتولد عن ذلك جنين عقيم أو غير مكتمل ويستمر وجوده في الرحم إلى فترة زمنية قد تصل إلى عدة أسابيع قبل أنْ يجهض تلقائياً أو يعمل على تخليص الرحم منه.

أقول: لكن إذا فرض إجهاضه تلقائياً غير حرجي للمرأة لا يجوز لها تعجيل العمل على تخليص الرحم عنه إذا استلزم مس العورة والنظر اليها، بل ونظر الاَجنبي إلى بدنها.

وأمّا المورد الخامس فإنّ فرض أنّ المرض أو العاهة يسبب بعد الولادة حرجاً شديداً للوالدين لا مانع من إجهاضه قبل تعلق الروح به، وكذا إذا كان على صورة غير انسان كما رأيناها في بعض النشريات اليومية، فانه لا دليل على منع اتلاف جنين غير الانسان ولا على لزوم الدية فيه، وأما إذا فرضنا أنّ الصورة صورة غير انسان والوعي وعي انسان ـ وقد اثتبه علم الاجنة فرضاًـ ففي إجهاضه إشكال.

وأما بعد ولوج الروح فلا يجوز اجهاضه قطعاً، لاَنه نفس محترمة فتشمله الآيات الناهية عن قتلها.

واما المورد الاَخير فلا يجوز اتلافه الابناء على قول ضعيف لبعض القدماء بكفر ولد الزنا، وإذا فرض أنّ حمله أو ولادته يوجب حرجاً

شديداً للاُم، فإنْ كان الزنا عن اختيارها فلا يجوز له اجهاضه لعدم جريان قاعدتي نفي الحرج ونفي الضرر في حقها، وإنْ كان عن إكراه فإنْ كان بعد نفخ الروح فيه فل




المقالات ذات صله