العمامة تراث عربي.. تصبح موضة هذا الموسم

لا يمكن للمصمم ان يعيش بمنأى عن الأحداث العالمية».. هذا ما قاله كارل لاغرفيلد، مصمم دار «شانيل»، قبل سنتين عندما سئل عن سبب قتامة الألوان والتصاميم الرزينة التي سادت حينها، وما تؤكده الأيام.

فالمصمم يستلهم أفكاره من كل ما يحيط به، سواء كانت الطبيعة بألوانها، او الثقافات البعيدة بدفئها وغموضها، أو الأحداث السياسية والاجتماعية المؤثرة.

لذا نرى مصممي الأزياء العالميين الكبار تارة يسافرون بجمهورهم إلى حضارة الأزتيك الغابرة في المكسيك، وطوراً إلى سواحل سانت تروبيز في الريفييرا الفرنسية أو إلى عهد كليوباترا ومصر القديمة، او ثورة «تشي» غيفارا في أدغال أميركا الجنوبية، أو الجدل حول النقاب وهلم جرا.. هكذا لنا في كل موسم رحلة من نوع خاص.

أخيرا، اتجه المصممون إلى افريقيا، مخترقين القارة السمراء من الجنوب إلى الشمال، وانطلاقاً منها باتجاه الهند مروراً بالشرق الأوسط. هذه المرة يبدو اهتمامهم منصبا على أغطية الرأس بكل اشكالها، وبالذات العمامة، من عمامة ايمن الظواهري، إلى عمامة الرئيس عمر حسن البشير، مرورا بعمامات مهاراجات الهند.

معظمها موجه للمرأة، وكأنهم يطرحون لها بدائل عن الطرحة التقليدية، التي يهدف منها إخفاء الشعر. وربما هذا ما قصده كارل لاغرفيلد، بأن المصمم يعيش احداث عصره ويترجها بطريقته.

أنطونيو ماراس، مصمم دار كنزو، استقى تصاميمه للعمامة النسائية من العمامة الافريقية بألوانها الصارخة وبعقدتها الكبيرة من الأمام. بينما قدمتها «ميوتشيا برادا» ايضا بأقمشة من الساتان اللماع وبألوان صارخة جاءت مزيجاً بين بيئة افريقيا وعصر هوليوود الذهبي، كما جاء بعضها مزيناً ببروشات.

تقول برادا «حضارات عديدة عرفت العمامة، حيث كانت تلبس من قبل الرجل والمرأة على حد سواء، وكانت ترمز دائماً للجمال والقوة حتى قبل ان تتحول إلى رمز للأناقة الهوليوودية»، وتضيف «اليوم هي أفضل ما يعكس أحداث العصر بدقة».

ميوتشا برادا محقة في قولها، فقد عرفت أوروبا أنواعا مختلفة من العمائم خلال القرون الوسطى وعصر النهضة، وكان يعتمرها الرجال، وأحياناً النساء في بعض الدول، كما يظهر من اللوحات التي رسمها كبار الرسامين الكلاسيكيين، بالذات اعتباراً من القرن الميلادي السابع عشر. ووفق المراجع صارت أنواع من العمائم أو لفات الرأس مرغوبة عند النساء الأوروبيات في أواخر القرنين الـ 18 والـ 19.

وظهرت كلمة «توربان» لأول مرة لوصف زي الرأس النسائي عام 1776م. وبعد فترة تراجع عادت هذه العمائم النسائية إلى الرواج في أوروبا في مطلع القرن الـ 20، وبخاصة في بريطانيا الفيكتورية، ثم خلال عقدي الأربعينات والخمسينات من القرن ذاته في فرنسا.

أما اليوم فيقتصر لبس العمائم أو اللفات بشكل عملي، على النساء في بعض جزر الأنتيل في بحر الكاريبي، غير أن دور الأزياء العالمية اكتشفت في الآونة الأخيرة في العمائم ولفات الرأس «منجم ذهب» في مجال الأناقة النسائية، وإن كان هناك تحول ملحوظ في طريقة التعامل مع اكسسوارات الرأس عموماً، والعمامة بصفة خاصة.

فبعدما كانت جزءاً من حضارة الغير وثقافته، اصبحت اليوم جزءاً من هويته الدينية، مما يجعل التعامل معها بترجمة حرفية، أمراً حساساً في ظل الظروف الحالية. وربما هذا ما يجعل التعامل مع العمامة اسهل بكثير من التعامل مع الطرحة وغيرها.

خصوصاً أنها ليست حالة جديدة، بل عرفتها هوليوود والمجتمع المخملي منذ منتصف القرن الماضي. إلى جانب انطونيو ماراس، مصمم دار «كنزو»، وميوتشا برادا، وقع المصمم رالف لوران، هو الآخر، تحت سحر العمامة، لكنه اختار ان يبتعد عن الجدل، فترجمها بلغة هندية بحتة.

على يديه جاءت بشكل يغطي كل الشعر وجوانب الوجه يزينها بروش في الوسط، لكن يمكن ان تستعيض عنه أية سيدة ثرية بجوهرة نفيسة. في المقابل تعامل معها آخرون بتصاميم أكثر أنوثة.

بحيث تظهر كل الوجه وخصلات قليلة من الشعر، كما فعلت دار «لويفي»، التي حرصت على تقديمها بطريقة تجمع بين البساطة والعملية، وبشكل اقرب إلى العمامة العربية من حيث استعمال إيشارب مستطيل يلف جيدا حول الرأس.

لكن من الخطأ القول ان موسم الربيع والصيف 2007 هو الموسم الذي سيتألق فيه هذا الاكسسوار، إذ عرف أوجه في الخمسينات والستينات من القرن الماضي على يد نجمات هوليوود من أمثال غريس كيلي وأودري هيبورن.

فهذه الأخيرة ظهرت به في فيلم «سابرينا» في لقطة تحولت فيها من فتاة عادية إلى باريسية انيقة بمجرد ان وضعته على رأسها. كما زينت «العمامة» ايضاً رأس إليزابيث تايلور، وهي في عز شبابها في عدة مناسبات، منها فيلم «أربعاء الرماد» Ash Wednesday (عام 1973)، وكانت من تصميم فالنتينو، مع العلم ان هذا الأخير قدم نموذجاً رائعاً لها في تشكيلته لربيع وصيف 2001، كما برع فيه المصمم جون لوي شيرير منذ أكثر من عقد من الزمن.

صحيح ان العمامة النسائية اكسسوار ارتبط في الماضي بالمرأة الخمسينية، إلا ان المصممين يريدونه اليوم ان يخاطبوا به شريحة الشابات في الموسم المقبل، بإضفائهم لمسة باريسية عليه من حيث نوعية القماش وقوة الألوان وحتى بطريقة تصميمه، لا سيما إذا تم تنسيقه مع ازياء بسيطة و«سبور».

رحلة تاريخية
* غطّى الإنسان رأسه اتقاء لعوامل الطبيعة القاسية منذ فجر التاريخ واتخذ غطاء الرأس عند الجنسين أشكالاً متنوعة وفق واقع البيئة، وتطور العادات والتقاليد. ولعل «العمامة» ـ أو «العِمّة» ـ من أشهر أغطية الرأس المعروفة في العالم، منذ اكتشف الإنسان القماش واستخدمه لملبسه.

لكن من حيث المنشأ الجغرافي، ترجع غالبية المراجع التاريخية الأصل المشرقي لما يُعرف اليوم عند العرب والمسلمين بـ «العمامة». فحتى في اللغة الإنجليزية التي ترجمت إليها كلمة عمامة إلى «توربان» Turban.

فإن الكلمة المترجمة ذاتها (أي «توربان») مقتبسة من كلمة «دلبنت» Dulband الفارسية التي حرّفت منها كلمة «تولبنت» Tulbent التركية، ومن تركيا انتقلت إلى أوروبا والغرب فحرّفت مجدداً إلى «توربان».

وكانت إحدى أقدم الإشارات إلى اغطية الرأس قد ظهرت في كتابات الفيدا الهندية القديمة التي أطلقت عليها مسمى «أوسنيسا».

وفي ما بعد اعتمد قدماء الفرس عادة لف القماش على طنطور كبير مخروطي الشكل، كما اعتمدت في العصر الإسلامي عادة اللف على الطربوش أو القلنسوة في مناطق عدة من مناطق الشرق الأوسط وشمال افريقيا ووسط آسيا. واختلفت أشكال اللفات والعمائم من منطقة إلى منطقة تبعاً لاختلاف الظروف البيئية، لا سيما المناخية منها.

ويقال إن العرب أطلقوا اسم «العمامة» (بكسر العين)، عليها، لأنها تعمّ جميع الرأس بالتغطية.

وفي العالم الإسلامي المترامي الأطراف، بما فيه من أقاليم صحراوية وحارة المناخ أو جبلية باردة، كان لا بد أن يصبح استخدام أغطية الرأس، بمختلف أشكالها وألوانها، مسألة حيوية.

فقد ألّف الأئمة في العمامة رسائل كثيرة منها: «تحفة الأمة بأحكام العمة»، و«صوب الغمامة في إرسال طرف العمامة»، و«درر الغمامة في در الطليسان والعذبة والعمامة»، و«جزء في العمامة النبوية»، و«أزهار الكمامة في أخبار العمامة».

في العالم الإسلامي اختلفت صفات العمامة وأسماؤها، فبينما أسماها العرب «عمامة» أو «عِمّة»، أطلق عليها الإيرانيون اسم «دستار»، وأبناء شبه القارة الهندية اسم «سافا»، بجانب مسميات محلية لأشكال متعددة منها. بمرور الوقت وتطور الحياة السياسية والاجتماعية، ومع تتابع الدول والنخب الحاكمة، اكتسبت صفات معينة من العمائم دلالات خاصة.

وقد تحولت في بعض المجتمعات العربية والإسلامية إلى زي رأس محصور بشيوخ الدين أو العلماء، في حين اتجه العامة إلى اعتمار الكوفية والعقال (الغترة والشماغ)، أو السدارة أو الطربوش التركي أو الطربوش المغربي.

وعلى صعيد لون العمامة، شاعت في مختلف أنحاء العالم الإسلامي العمائم البيضاء للعامة وشيوخ الدين، بينما أخذت العمائم السوداء والخضراء ترمز الى المنتسبين إلى آل البيت، مع العلم أن العمائم السوداء شائعة في مناطق أخرى، مثل أفغانستان من دون ادعاء الصلة النبوية.

كما ان ثمة عمائم ذات لفة خاصة مألوفة في أماكن بذاتها، كالعمامة المزركشة في سلطنة عُمان، والعمائم المختلفة الألوان التي تستحيل في لفتها إلى لثام كحال عمائم الطوارق في الصحراء الكبرى بشمال افريقيا.

ولا ينحصر الاختلاف بين العمائم في الشكل أو اللون، بل يشمل أيضاً الحجم، ولعل أكبر العمائم تلك التي ظهرت في أيام السلطنة العثمانية، قبل أن يهجرها الأتراك لصالح الطربوش في النصف الثاني من القرن الميلادي التاسع عشر. أيضاً صار للعمامة رمزية خاصة في العديد من المجتمعات العربية والمسلمة.

ففي العراق مثلاً، للعمامة، وكذلك للعقال، حظّ متميز في معايير الشرف لدى العراقيين، سُنّة وشيعة، عرباً وكرداً. وبالتالي فإن سقوط العقال أو العمامة عن رأس من يعتمرهما يلحق به عيبا كبيرا، يبعث في نفس الشريف منهم الغضب والألم.

لذلك تقضي أعراف القبائل والعشائر العراقية وتقاليدها بفرض عقوبة قاسية تصل أحياناً إلى حد القتل، أو فرض غرامات باهظة، على من يتعمد إسقاط عمامة أو عقال من على رأس آخر، بحيث تكون هذه العقوبة رادعاً، مع إلزام المعتدي برد الاعتبار لصاحب الحق على الملأ صوناً لكرامته التي أهينت.

رمزية العمامة للشرف والرجولة تشكل عنصراً أساسياً أيضاً من حياة السيخ. فالعمامة السيخية ـ التي تسمى «دستار» ـ فرض واجب على كل بالغ، وهي تلعب دوراً مباشراً في تغطية شعره المحظور عليه قصه. أيضاً ثمة عمائم أخرى مألوفة في الهند، أشهرها العمائم الراجستانية، نسبة لولاية راجستان والمناطق المحيطة بها في شمال غربي البلاد.

وهذه العمائم المتنوعة الأشكال والأحجام يدعوها الراجستانيون «باغ» أو «سافا». ثم هناك عمائم إقليمي ميسور وكوداغو، في ولاية كارناتاكا بجنوب الهند، ويدعوها أصحابها الـ «بيتا» الميسورية وهي تلبس في المناسبات الخاصة كحفلات الزفاف.

وفي السودان، تعتبر جزءاً من الزي التقليدي. فالسودانيون يشتهرون بارتدائها بيضاء وتسمى باللهجة العامية «العِمّة» (بكسر العين)، ويتراوح طولها ما بين 4 و5 أمتار ويكون ارتداؤها بلفها كلها حول الرأس بعد وضع الطاقية (القلنسوة أو العرقية) عليه.

ويرى المؤرخون أن العمامة، التي تشتهر بصورة خاصة في شمال السودان ووسطه، دخلت البلاد مع بدء الهجرات العربية قبل نحو ألف سنة، وتطورت حتى تتلاءم مع مناخ السودان الحار لحماية الرأس من الشمس الحارقة، ولقد اشتهرت في الماضي الطاقية ذات اللون البرتقالي الفاقع اللون، إلا أن السائد الآن هو الأبيض، إلى جانب اللون الأخضر بالنسبة الى الصوفيين.

وفوق الطاقية تلف العمامة حول الرأس، غالبا بطريقة غير منتظمة. المطلوب ممن يلفها أن يمسك بطرفها الأول بيده اليسرى ويثبته ويستمر فى لفها حول رأسه الى أن تنتهي بحشر طرفها الأخير فى الوسط.

الطريف انه يمكن الآن التعرف على الانتماء السياسي للمواطن السوداني من طريقة لبسه العمامة. فأعضاء حزب الأمة المعروفون بالأنصار، وهو الحزب الذي يترأسه السيد الصادق المهدي، يلفون العمة بشدة حول الرأس وبشكل مثلث من الأمام على الجبهة، ويتركون ذيلها يتدلى خلف الرأس.

بينما تتميز عمامة زعيم الحزب الاتحادي علي الميرغني، بكونها تشبه عمائم رجال الأزهر، إذ تلف حول الرأس مرة واحدة


بحث مفصل



المقالات ذات صله