كيف اتعامل مع طفلي المتوحد ؟

... تجربة أم


كيف أتعامل مع طفلي المتوحد ؟ سؤال تساله الأمهات اللواتي لديهن إبن /أو إبنة مصاب بالتوحد. والجواب في الموضوع الآتي:



دماغ طفل التوحد لا يعمل مثل أدمغتنا

يترجم ذلك إلى صعوبات في فك رموز العلاقات الاجتماعية، أو صعوبات في إتقان اللغة تماماً أو فهم لماذا يجب ألا نسأل أي امرأة نقابلها لماذا ليست حاملاً.
وحيث أنه قلق بطبيعته، فإنَّ الناس من حوله يجعلونه عصبياً. والصوت العالي يجعله يقفز. وهو بحاجة إلى أن يعرف أين هو طوال الوقت في المنزل وينادي أمه مليون مرة في الساعة.


كما يعاني من اضطرابات ومشاكل حسية: يضطر إلى لمس طعامه بأصابعه لمعرفة ما إذا يعجبه ملمسه قبل أكله.

ويتحرك باستمرار لتنظيم جسمه بواسطة التحفيز الذاتي: يفرك يديه بسرعة بالغة، كما لو أنه يريد أن يشعل ناراً في المخيم، ويستمر في القفز طوال النهار.



تجربة أم...
وتبقى الأم تحمل همَّ إبنها المتوحد



منذ 13 عاماً وإبني المتوحد ومستقبله وقلقه ووسواسه القهري يحتل تفكيري، ولا يمر يوم دون أن يسبب ذلك الألم لي.
في الواقع لدي الانطباع بأننا ما زلنا نراوح مكاننا منذ بعض الوقت، من دون أن نحقق الكثير من التقدم.


ومن الواضح أنني أعرف أنه لن يصبح أفضل بالمعنى التقليدي. فالتوحد لا يمكن الشفاء منه أبداً حالما يتم تشخيص الطفل به. وقد مرت سنوات ونحن نحاول تحسين بعض سلوكياته.

مثل أن يتوقف عن قول بعض العبارات في البداية، أو أن يلمس جميع الأطعمة في طبقه أو حتى في طبقي، أن يتعلم بعض الحدود، وأن يبدي بعض المرونة حول خيارات ما نسمع على الراديو في السيارة أو مشاهدة ما يعرض على شاشة التلفزيون.

إن تربية طفل مصاب بالتوحد أشبه ما يكون بركوب البحر، حينما يبحر المرء بهدوء وسلاسة وهو يستمع إلى الراديو من دون إزعاج، وفي اللحظة التالية يتوقف كل شيء فجأة، كما لو تم إلقاء المرساة أثناء السير.

في الوقت الحالي نحن غير قادرين على التحرك على متن قاربنا الصغير، ومنذ فترة لا بأس بها أعاقنا التيار من التقدم سنتمراً واحداً، ومما لا شك فيه أن عدم القدرة على التحرك هذه هي التي تثقل أفكاري أكثر ما يكون.

هل هذا أسوأ من جميع الليالي التي أمضيناها زوجي وأنا نحمل الطفل بين ذراعينا بالتناوب ونتحاشى النظر أحدنا إلى عيني الآخر؟

هل هو اسوأ من البحث من دون توقف عن أدوية يمكنها أن تخفف القلق الشديد الذي ينتاب إبننا؟

أو أن نضطر لأن نقول له في ظهيرة أحد أيام الصيف بضرورة تغيير مدرسته، لأن ليس لديه المستوى المطلوب للاستمرار في مدرسة عامة؟

لا أعرف...


لا يمكنني التوقف عن التفكير بشأن ذلك. ولا أريد التعامل مع التوحد.
أنا متعبة من أن أكون مشغولة في نهاية الأسبوع بينما أطفالي الأربعة الآخرون يمارسون أنشطتهم ويذهبون إلى أعياد الميلاد، أو ينامون عند الأصدقاء بينما هو لا يفعل شيئاً.

أنا متعبة من السؤال ما إذا كانت الأدوية التي يأخذها كل مساء قبل النوم، يمكن أن يكون لها آثار جانبية.
لقد اكتفيت من تذكيره والطلب منه ألا يقول كلمات غير مناسبة، وأن أطلب منه ألا يبكي أو أن أجد حلاً لكي يتوقف عن تصنيف الأشرطة طوال فترة بعد الظهر.

رغم كل ذلك أنا أحب أبني، أحبه جداً. ولكن في بعض الأيام أتمنى أن أعرف إلى أين سيؤدي كل ذلك.

بطبيعة الحال سوف تقولون لي لا تتوقفي عن الأمل. لا تقلقوا، فالأمل يعرفني جيداً لقد حملته على ظهري وتسلقت وأنا أحمله قمم الجبال الأكثر انحداراً وابقيته دافئاً وجافاً في الأيام الممطرة وأبديت إعجابي به في الأيام المشمسة.
والأمل كالصنارة في فمي لا يتركني ويقودني دائماً إلى الأمام وهوالمرساة التي ألقيتها في قعر البحر.

وبعد أن كان أملي كبيراً ها نحن نجلس على متن قاربنا تحت أشعة الشمس البرتقالية من دون إحراز تقدم ودون أي تغيير.
وخلال ذلك أمضي أيامي وأقوم بواجباتي في البيت والعمل.

وها أنا استمع إلى الموسيقى أثناء ممارسة الرياضة، وأطبخ وصفات الطعام الاعتيادية من اللحم والدجاج والستيك أو غيره، ولكن في أعماق نفسي أقمع ثورة تغلي، وأراجع كل يوم قائمة المهمات التي ينطوي عليها مخزون التوحد:

هل تعرفون قائمة مخزون التوحد؟ هذا التعداد الذي لا ينتهي من الأهداف والتقدم والنكسات والبحث والمواعيد الطبية التي توجد في عقل كل الناس الذين لديهم أطفال مصابون بالتوحد مثلي.

أراجع هذه القائمة وأختار المهمة التالية التي سوف تستولي على اهتمامي في اليوم التالي أو طوال الأسبوع التالي. وفي هذه الأوقات،

فإنَّ هذه المهمة التي نريد إنجازها هي حصول إبننا على شهادة البكالوريا والتي أشك أنه سوف يحصل عليها. طالما أردنا زوجي وأنا أن نساعده على أن يحصل على شهادة المدرسة.

كلا فالأمر ليس كذلك تماماً: لقد أردنا دائماً أن يحصل على شهادته المدرسية، لقد كانت هدفنا ولكن يبدو أن هذا الهدف لن يتحقق.

إبني المتوحد ليس غبياً..
يجب تقبل طفل التوحد كما هو





























أرجو الانتباه: إبني ليس غبياً، إنه ليس أبله، ومع ذلك لن يفهم الرياضيات على الإطلاق ولن يستطيع كتابة مقالة صغيرة لا تتعدى الفقرتين أو حتى ينهي مشروع تخرجه للمرحلة الثانوية.
ولنكن واقعيين، ما جدوى ذلك؟ ما الفائدة من تعذيبه لكي نجعله يفهم المعادلات الحسابية؟ هل هذه أفضل الطرق لكي نقضي وقتنا مع طفلنا؟
لم ينبهني أحد إلى أنه سيكون من الصعب أن نقبل بالأمر الواقع، وأنه سيكون من المؤلم التخلي عن الأحلام التي تمسكت بها طوال تلك السنين.
وطالما تخيلت اليوم الذي يحصل فيه إبني على الشهادة المدرسية. هل هو أمر لا يصدق؟ كلا على الإطلاق! لقد كنت أعتقد فعلاً أنه يستطيع النجاح والحصول على شهادة المدرسة وأن يتخطى هذه المرحلة وبالتالي سيكون كل شيء أفضل، أنه سيكون هو أفضل أيضاً، وأن نستطيع جميعنا، بطريقة ما أو بأخرى، أن نضع كل هذه التجارب والمحاولات خلفنا.
في الحقيقة لن يحصل ذلك أبداً ، ولن يكون بإمكاننا أن نضع كل ذلك خلفنا.





ويستمر الأمل..



بطبيعة الحال، جميعنا كآباء وأمهات نضطر إلى التنازل عن بعض أحلامنا بشأن أبنائنا وبناتنا. فربما أردت أن يصبح إبنك مهندساً مثلك؟ ولكن يكفي أن تنظر إلى محاولته الأولى في بناء شكل معماري بواسطة الليغو لتدرك أن الأمر أكثر تعقيداً مما كنت تظن. أو ربما تحلمين بأن تصبح إبنتك طبيبة لتكتشفي أنها تكره منظر الدم، فربما ينبغي علينا أن نعيد رؤيتنا وأحلامنا في ما يتعلق بمستقبل أبنائنا.
ولكن كم منكم يمكنه القول إنه اضطر إلى التخلي عن حلم أن يجتاز طفله مرحلة المدرسة ويحصل على الشهادة؟
لم ينبهني أحد أنه من الصعب أن أتقبل ذلك، وأنه سيكون من المؤلم التخلي عن الحلم الذي طالما تمسكت به بقوة طوال تلك السنوات.
الأحلام هشة وخصوصاً عندما نتحدث عن التوحد. إنها مثل الجناحين الملونين واللامعين لفراشة جميلة: يجب التعامل معها بحذر شديد وإحترام طبيعتها الرقيقة وإلا سوف يفقد هذان الجناحان انعكاساتهما ويتحولان إلى مجرد غبار.

لا أرى النهاية، ومع ذلك أواصل الأمل.




المقالات ذات صله