العنف ضد المرأة ليس من الرجال فقط

العنف ضد المرأة...

عندما تستمعين لهذه الكلمات الثلاث بلا شك ستجلسين وتستعدين لسماع فظائع يرتكبها الرجال في حق النساء. ولكن مهلاً، ماذا إذا قلت لك أن هذه الفظائع ستكون من قبل النساء على النساء؟!

لا داعي للاندهاش فنحن نمارس العنف تجاه بعضنا، ربما يومياً وقد يكون أكثر من مرة خلال اليوم!


في الحقيقة إننا مازلنا منذ سنوات طويلة وحتى اليوم نتحدث عن ضرورة مناهضة العنف ضد المرأة بأشكاله المختلفة. وفي نوفمبر من كل عام تنطلق العديد من الحملات بهدف توعية النساء بضرورة التحدث عما يتعرضن له من عنف سواء من أزواجهن، آبائهن، أشقائهن وغيرهن.

ولكننا لم نتحدث قط عن ذلك النوع الذي تمارسه النساء تجاه بعضها، والذي أعتقد في رأيي أنه أكثر الأنواع سوءاً وخطورة على الإطلاق.
أعلم الآن أنك تتساءلين كيف يكون العنف من المرأة على المرأة؟ حسناً، سأجيبك عن هذا السؤال في المشاهد التالية...


مشهد ١
في منتصف الأسبوع أنتهي من عملي، أنتظر زميلتي لنغادر سوياً. نبدأ في سرد أحاديث متنوعة عن الحياة والمزيكا والسينما حتى نصل لمحطة مترو الأنفاق لتبدأ رحلتنا في الذهاب إلى المنزل. حتى هذه اللحظة كل شيء يسير بشكل طبيعي دون ضجر أو ملل، وكالعادة أنشغل بتصفح هاتفي.

ولكن فجأة يلفت نظري فتاتين لم يحيدا أعينهما عني منذ أن دخلت العربة. اعتقدت في البداية أنه قد يكون ذلك عن غير عمد، ولكن بعد قليل اتضح العكس. فبدأت الفتاتين بالنظر إليَ من الأعلى لأسفل وكأنهما تريدان مني أن ألاحظ نظراتهما،

ومن ثم بدأن بالحديث. كان الأمر مزعجاً حقاً، فهما ينظران إلي ويعادوا الهمس في أذن بعضهما. حاولت إظهار انزعاجي مما يفعلانه ولكنهما لم يعيرا ذلك أي اهتمام. هنا بدأت بالتفكير، هل يوجد خطأ في مظهري لينظرن إلي تلك النظرات الغير مريحة بالمرة؟ هل قمت بفعل شيء غريب؟

وللحظة أدركت أن السبب هو قصة شعري! نعم كان هذا هو السبب، فهن لم يعتادا على رؤية فتاة بشعر قصير للغاية Pixie. وبالتالي هذا منحهما الحق بممارسة إحدى أنواع العنف تجاهي وهو "العنف العاطفي". فهذا نوع لا يتطلب الكثير من المجهود، يكفي أن تنتقد شخص أو تنظر إليه نظرة غير مريحة بالمرة لتترك أثراً سلبياً عليه.


مشهد ٢
أتصفح حسابي على الفيس بوك قبل الذهاب للنوم بحثاً عن آخر الأخبار أو ربما شيء يشعرني بالسعادة. أتصادف بمنشور لأب يسأل عن طريقة ما لإقناع ابنته ذات الـ ١٢ عام بارتداء الحجاب. أذهب للتعليقات لأرى كيف كانت الردود عليه، ولكن أشعر بالصدمة!


كانت أغلب التعليقات من النساء والغريب في الأمر أنهن كانوا أكثر قسوة وعنفاً من الرجال. فمنهن من نصحته بقص شعر هذه الطفلة الصغيرة لتشويه مظهرها فتضطر لارتداء الحجاب. أما الأخرى فنصحته بعقابها وضربها حتى تستلم لرغبته. والثالثة اقترحت عليه حبسها في المنزل وحرمانها من الذهاب للمدرسة ورؤية صديقاتها.


وللأسف، بدلاً من أن تدعم النساء بعضها البعض، كانوا هن أنفسهن اللاتي يشجعن هذا الأب على ممارسة العنف تجاه هذه الطفلة الصغيرة.

مشهد ٣
أتقابل صدفة مع صديقة لي بعد فترة من الغياب، وأسألها عن أحوالها لتسرد لي قصتها...انفصلت عن زوجها بعد عامين وبرفقتها طفلتها الصغيرة. عادت للإقامة مع والدتها بالمنزل،

رغبة في أن تستعيد حياتها مستقرة من جديد.
في البداية تسير الأمور بشكل طبيعي، ولكن بعد فترة تطلب منها والدتها ترك عملها للبقاء مع طفلتها ورعايتها.

تستسلم مع الوقت لهذه الفكرة، اعتقاداً منها أن والدتها بالتأكيد تريد الصالح لها. من هنا تبدأ في مواجهة رحلة أخرى من العنف، ولكن هذه المرة من قبل امرأة مثلها.

فالأم بعد أن تترك ابنتها العمل لرعاية الطفلة الصغيرة، تبدأ في فصل جديد من التحكم لا يختلف عن ذلك الذي كان يمارسه الزوج. فهي تحرم ابنتها من الخروج أو رؤية صديقتها كونها "مطلقة"! بل تحرمها من امتلاك أي نقود لرعاية طفلتها. وفوق ذلك تبدأ في الإساءة لها كون زواجها لم يستمر طويلاً.

ورغم أن ما كانت تفعله الأم من حرمان ابنتها من أبسط حقوقها في الحياة، يصنف بشكل واضح على أنه "عنف". إلا أنها لم تكن تدرك ذلك. بل في اعتقادها أنها بهذه الطريقة تحمي ابنتها المطلقة وطفلتها الصغيرة من أمور عديدة.

كل هذه كانت هناك أشكال متنوعة من العنف سواء المادي، العاطفي، اللفظي والذي يمارس من قبل المرأة على المرأة. ولا أخفي عليك أنه هناك ما هو أسوأ من ذلك.
ولكن ما أردت أن أخبرك به من هذه القصص القصيرة أن العنف ضد المرأة ليس شرطاً أن يكون من الرجل ولكن يمكن أن نكون نحن النساء من نمارس العنف تجاه بعضنا.

وليس شرطاً أن يكون لكمة على الوجه أو الجسم ولكن يمكن أن يكون كلمة أو نظرة أو انتقاد متكرر !

أخيراً، أعتقد أنه حان الوقت لأن نفهم أكثر عن العنف ضد المرأة بأشكاله المختلفة حتى نتوقف عن إيذاء بعضنا البعض حتى لو بنظرة...


بحث مفصل



المقالات ذات صله