هل(الحمد) و(الشكر) مترادفان


هل(الحمد) و(الشكر) مترادفان؟ إن الحمد هو الثناء باللسان، والثناء على كل جميل. وأما الشكر فمورده اللسان والعمل، قال جل وعلا: {أَن اشْكُرْ لي ولوالدَيكَ} [لقمان:114]، فمعنى الشكر: الاجتهاد في بذل الطاعة مع الاجتناب للمعصية في السر والعلانية، الشكر هو الاعتراف في تقصير الشكر للمنعم، ولذلك قال تعالى: {اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً} [سبأ :13] (تفسير القرطبي 1/398). ولا يُقال مثلا: فلان حمد الله جل وعلا بفعله، بل لابد أن يكون الحمد باللسان، لكن الشكر يمكن أن يكون باللسان ويمكن أن يكون بالعمل، فمن هنا يكون الشكر أعم، قال ابن القيم رحمه الله: "الحمد أخص من الشكر مورداً، وأعم منه متعلقاً، فمورد الحمد اللسان فقط، ومتعلقه النعمة وغيرها، ومورد الشكر اللسان والجنان والأركان، ومتعلقه النعمة، والفرق بينهما أن الشكر أعم من جهة أنواعه وأسبابه، وأخص من جهة متعلقاته، والحمد أعم من جهة المتعلقات، وأخص من جهة الأسباب" (مدارج السالكين 2/ 246). وقد ورد الشكر في كتاب الله تعالى على وجهين : الأول : من الرب لعبده، الثاني : من العبد لربه. أما الأول: فقد ورد في بعض الآيات أن الله تعالى سمى نفسه شاكراً وشكوراً، فقال تعالى: {إنَّ ربَّنَا لغَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر:34]، وقال تعالى: {ومَنْ تَطوَّعَ خيراً فإنَّ اللهَ شَاكرٌ عَلِيمٌ} [البقرة:158]، ذلك أن الله تبارك وتعالى لما كان يجازي عباده على أفعالهم ويثيبهم على أقل القليل منها ولا يضيع لديه تبارك وتعالى عَمَلُ عامل كان شاكراً ذلك لهم أي : مقابلاً له بالجزاء والثواب. وللشكر أهمية كبرى ومنزلة عظمى، فهو قيد للنعم الحاضرة، ومجلبة للنعم المفقودة، قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُم لأزيدَنَّكُمْ ولَئِنْ كَفَرْتُم إنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7]، وعن الْمُغِيرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: "إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليقوم ليصلي حتى ترم قدماه أو ساقاه فيقال له فيقول: «أفلا أكون عبدًا شكورًا»" (صحيح البخاري 1/380، ك: أبواب التهجد، ب: قيام النبي صلى الله عليه وسلم، رقم: 4556، 6106، و أخرجه مسلم 8/141، ك: صفات المنافقين وأحكامهم، ب: إكثار الأعمال والاجتهاد رقم 2819)، ومما يدل على قيمة الشكر أن إبليس جعل غايته أن يسعى في قطع الناس عنه، قال تعالى: {ثمَّ لآتينَّهُم منْ بينِ أيْديهمْ ومنْ خَلفهِم وعنْ أيْمانهِم وعنْ شَمائِلهمْ ولا تجدُ أكثَرهمْ شَاكِرينْ} [الأعراف:17]، وفي الحديث عن صُهَيْبٍ قَالَ:"قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ»" (صحيح مسلم 8/227، ك: الزهد والرقائق، ب: المؤمن أمره كله خير، رقم: 7692). والشكر والإيمان صنوان، كما أن الكفر وعدم الشكر صنوان، قال تعالى: {ولقدْ آتَينَا لُقْمانَ الحكمةَ ان اشكرْ للهِ ومَنْ يشكُرْ فإنَّما يشْكرُ لنفسِهِ ومنْ يكفُرْ فإنَّ اللهَ غنىٌّ حَميدٌ} [لقمان:12]. إذن فالحمد لا يرادف الشكر، فالحمد كما ذكر ابن سيدة في الفروق اللغوية: هو الثناء باللسان على الجميل، سواء تعلق بالفضائل كالعلم، أم بالفواضل كالبر. وأما الشكر: فعل ينبئ عن تعظيم المنعم لأجل النعمة، سواء أكان نعتاً باللسان، أو اعتقاداً، أو محبة بالجنان، أو عملا وخدمة بالأركان.


بحث مفصل



المقالات ذات صله