جسم الإنسان أكبر آية دالة على عظمة الله


السيرة وقيمتها- الإسلام حركة و انضباط و حب ،جسم الإنسان أكبر آية دالة على عظمة الله

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

عظمة الإسلام أنه جاء بالمثالية الواقعية:

الإسلام جاء بالواقعية المثالية

أيها الأخوة الكرام، الحق الذي نزل على سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام، نزل على إنسان طبقه، والذي يثير فينا الشوق إلى طاعة الله أن هذا الحق مطبقاً، لو بقي نظرياً وفي الكتب لا يثير هذه الرغبة في طاعة الله عز وجل، لذلك قال تعالى:

﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾

[ سورة الأحزاب الآية:21]

ما قيمة السيرة؟ قيمة السيرة أنها حقائق طبقها النبي عليه الصلاة والسلام ولا تتأثر أنت إلا بالحقيقة المطبقة، هذا نسميه مثالية واقعية، بحياتنا الآن مثالية تخيلية، واقع مر، الواقع المر مكروه والمثالية التخيلية غير واقعية، كأنها غير موجودة كلام بكلام، فالمثاليات التي جاءت عند المفكرين والمصلحين مثاليات حالمة غير واقعية، والواقع الذي يعيشه البشر واقع مر،

عظمة الإسلام أنه جاء بالمثالية الواقعية، أي قيل: القرآن كون ناطق، والكون قرآن صامت، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي.

الأنبياء جاؤوا بالكلمة الصادقة فقلبوا وجه الأرض في هذا العصر:

استقامة المؤمن دعوة

نحن نريد إنساناً مسلماً نراه أمامنا، هذا الذي يؤثر، أي ما الذي حصل في هذه العصور؟ الناس كفروا بالكلمة، الأنبياء بماذا جاؤوا؟ الآن هناك دول عظمى عندها أقمار صناعية، عندها مفاعلات نووية، صانعة غواصات، حاملات طائرات، عندها صواريخ عابرة للقارات، عندها أسلحة متنوعة جداً، عندها إنجازات كبيرة جداً،

عندها جسور عملاقة، وعندها صناعات استراتيجية، الأنبياء بماذا جاؤوا؟ قد لا تصدقون جاؤوا بالكلمة، كلمة فقط لكنها كلمة صادقة، لكنها كلمة مخلصة:

﴿ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾

[ سورة إبراهيم الآية: 24-25 ]

جاء الأنبياء بالكلمة لكنها صادقة، فقلبوا وجه الأرض في هذا العصر، الكذب انتشر، والتمثيل، التمثيل بمعنى أن هناك أشخاص يمثلون أدواراً في أعلى درجة من الأخلاقية وهم ليسوا كذلك، فصار هناك كذباً بالأقوال وتمثيلاً في الأفعال والأمور، اختلطت ببعضها فكفر الناس بالكلمة، لذلك الآن لا يمكن أن نحيي قيمة الكلمة إلا بالتطبيق،

 لا يمكن أن نحيي الكلمة التي ماتت قيمتها في هذا العصر إلا بالتطبيق، التطبيق يحيي هذه الكلمة، ويجعلها متألقة، ويجعلها منارة للناس، لذلك لو أنك كنت أخلاقياً لو لم تنطق ببنت شفة اقتدى الناس بك، وأنا أقول دائماً: يمكن أن تكون هناك دعوة صامتة، إنسان مستقيم، استقامته دعوة، إنسان صادق، صدقه دعوة،

 إنسان أمين، أمانته دعوة، إنسان رحيم، رحمته دعوة، الناس كفروا بالكلمة وكفروا بالخطابات، نحن ماذا فعلنا الآن؟ العالم الإسلامي الضعيف كيف يرد على الأقوياء؟ استنكار، بشجب، بتنديد، بتشديد على كذا، بحرق علم، بحرق صورة، والغرب يضحكون علينا، نحن بحاجة إلى فعل حتى إن بعضهم قال: أصبح الإسلام ظاهرة صوتية، و الواقع ليس كذلك.

الدعوة إلى الله أعظم عمل على الإطلاق:

كنت أقول دائماً ولعلي ذكرت هذا في درس سابق: الخطاب الديني يجب أن ينجح ولا ينجح إلا بقواعد، أحد أكبر هذه القواعد، أن تكون القدوة قبل الدعوة، وأن يكون الإحسان قبل البيان، وأن تكون الأصول قبل الفروع، وأن تكون المضامين لا العناوين، والمبادئ لا الأشخاص، 

والتدرج لا الطفرة، وأن يكون الترغيب لا الترهيب، والإيجابيات لا السلبيات، والتيسير لا التعسير، هذه قواعد الدعوة، لكن الحقيقة المُرّة أن الدعوة إذا اعتمدت هذه القواعد ولم يكن واقع المسلمين قوياً، مرة ثانية لن تنجح الدعوة، فأنا أقول المشوار طويل، والطريق بعيد، نحتاج إلى أن نتماسك،

 أن نقوي أنفسنا، أن نحل مشكلاتنا، ونحتاج فضلاً عن ذلك أن ينجح خطابنا الديني، عندئذ يصغي الغرب لنا، عندئذ الآخر يصغي إلينا، الآخر يقتدي بنا، وأقول لكم دائماً مرات عديدة، هذا الدين دين جماعي، لو أن الأمة أعرضت عنه كما هو الحال الآن، ماذا أفعل أنا كمسلم؟ هذا الدين جماعي فردي بآن واحد،

 إذا لم تطبقه الجماعة طبقه أنت وحدك، فتقطف كل ثماره، إله عادل طبقه أنت وحدك تقطف كل ثماره، لا تفكر أن يكون الدين كلاماً أو نصوصاً أو معلومات، الدين واقع متحرك، الدين إنسان مسلم يمشي على قدمين، ترى فيه الصدق، الأمانة، العفة، الاستقامة، الرحمة، الحلم، فأنا أقول هذه الدروس كلها لا تجدي إلا بحالة واحدة،

 إذا أردت أن تفعل ما تسمع عندئذ يكون لك تأثير كبير جداً، وكلكم يعلم أنه ما من عمل أعظم عند الله من أن تكون داعية إلى الله:

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة فصلت الآية: 33]

الدعوة إلى الدعوة إلى الله فر ض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف

الله فرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف:

الدعوة إلى الله فرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف

الدعوة إلى الله قد تكون دعوة احترافية، احترافية أي يجب أن يكون معك دكتوراه بالشريعة، أو منصب ديني، خطيب، أو درس في جامع، هذه دعوة احترافية، أما كل واحد منكم من دون استثناء يمكن أن يكون داعية بكلمتين في حدود ما يعلم ومع من يعرف، حضر درساً لكن هل من المعقول أن تجلس ساعة ولا تتذكر من الدرس شيئاً؟ هذا ليس معقولاً، معنى ذلك أنت تضيع الوقت،

 تجلس ساعة تسمع درساً، هناك آيات، هناك أحاديث، هناك قصص، هناك أحكام، هناك ومضات، هناك تعليقات، هناك ملاحظات، تجلس ساعة وقد تسر في أثناء الدرس، أما إذا انتهى الدرس لا تذكر شيئاً! أنا لا أتكلم من فراغ، يقول أحدهم: والله درس رائع ما شاء الله، ماذا قال الأستاذ؟ لا أذكر شيئاً، هذه مشكلة كبيرة، أنت عندما يقول لك النبي عليه الصلاة والسلام:

(( بلغوا عني ولو آية ))

[ أخرجه أحمد والبخاري والترمذي عن ابن عمرو ]

أنت بخطبة ما استمعت إلى آية شرحت، إلى حديث تلي أمامك، إلى قصة مؤثرة، إلى قضية علمية فيها ومضة، هذه لو كتبتها كرأس قلم وحاولت أن تلقيها طوال الأسبوع، زرت أختك، عمك، شريكك، صديقك، زميلك، رفيقك، حدثته إياها، تكون أنت داعية، دعك من الدعوة الاحترافية، إنسان متفرغ للعلم، متبحر، يحمل شهادات عليا، دكتوراه في الشريعة، يشغل منصباً دينياً، دعك من هذا، كل واحد منكم يجب أن يكون داعية،

 ليس معنى هذا أنه يستطيع أن يجيب عن أي سؤال، لكن معنى هذا أنه يستطيع في حدود ما يعلم أن ينقله لمن حوله، من حولك؟ أقول لك من حولك؟ لك أقارب، لك أصدقاء، لك جيران، زملاء، الزميل في العمل، والجار بالسكن، والأقارب نسباً، والأصدقاء مودة، فأنت إذا وطنت نفسك أن تكون داعية، قد يقول أحدكم: أنا لست مكلفاً أن أكون داعية، من قال لك ذلك؟

أكبر غلطة وقع بها المسلمون أنهم توهموا أن الإسلام عبادات شعائرية فقط:

وتواصوا بالحق

أكبر غلطة وقع بها المسلمون أنهم توهموا أن الإسلام عبادات شعائرية، صوم، وصلاة، وحج، وزكاة، ونطق بالشهادة، لا، الإسلام بنود كثيرة، أحد هذه البنود:

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾

[ سورة العصر الآية:1-3 ]

تواصوا بالحق، هذه الدعوة أحد أركان النجاة، بل ربع أركان النجاة، ربع أركان النجاة الدعوة إلى الله، الدعوة كفرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف، مع من تعرف؛ الأصدقاء، والجيران، والأقارب، والزملاء، ولست مكلفاً أكثر من ذلك، تجد شخصاً حاملاً همّ الإسلام بارك الله به، هذا شيء رائع جداً،

 لكنه لا يطبق الأساسيات في بيته، أخي: المسلمون ضعاف في العالم، أعداء المسلمين نهبوا ثرواتهم، أخذوا أرضهم، أنت ماذا تملك؟ لا تملك شيئاً، أنت مكلف فقط أن تقيم الإسلام في نفسك، وفي بيتك، وفي عملك، أنت لست مكلفاً فوق ذلك، فوق ذلك تعاطف، فوق ذلك تألم، لا يوجد مانع، فوق ذلك تمنى، لكن كتكليف، كمحاسبة:

﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا ﴾

[ سورة البقرة الآية: 286 ]

وسعك أن تقيم الإسلام في نفسك، وسعك أن تقيمه في بيتك، وسعك أن تقيمه في عملك.

الدين النصيحة:

إذا بلغت ولو آية، ولو حديث، ولو حكم فقهي، ولو قصة مؤثرة، ولو قضية علمية، إلى جيرانك، أقاربك، أصدقائك، معارفك، زملائك، أنا أقدم لك الشيء البسيط، يمكن أن يتلخص الدين كله بكلمتين؟ لا يخافن العبد إلا ذنبه، ولا يرجون إلا ربه، لو لم تذنبوا لخفت عليكم ما هو أكبر، العُجب، العُجب، خف من ذنبك وارجُ ربك، لا ترجُ إلا الله، الإنسان أحياناً يحب التفاصيل، يحب الجزئيات، 

يحب الشرح الطويل، وأحياناً يحب الأشياء المختصرة، مثلاً هناك أحاديث عجيبة؛ دعاء: اللهم أنا بك وإليك، بك قائم، علمي من فضلك، مالي من رزقك، زوجتي وأولادي هدية منك، أنا بك، صحتي الفضل لك يا رب، عقلي الفضل لك يا رب، أنا بك، بعقلي، بجسمي، بأجهزتي، بصحتي، بحرفتي، 

مكنتني من حرفة أعيش منها، بطلاقة لساني، بدعوتي أنا بك، والهدف أنت وإليك، لا يخافن العبد إلا ذنبه، ولا يرجون إلا ربه، اللهم ارزقني طيباً، واستعملني صالحاً، اجعل ارزقني طيباً واستعملني في خدمة عبادك، أحياناً الإنسان يحب الأشياء الموجزة، كلام جامع مانع موجز.

(( الدِّينُ النَّصِيحَةُ ))

[ مسلم عن تميم الداري ]

ضغط النبي عليه الصلاة والسلام الدين بكلمة واحدة، أحياناً يكون عند بائع القماش ثوب لا يباع معه، لأن لونه لم يعجب أحداً، يأتي لعنده إنسان ساذج، يقول له: أريد لوناً جيداً انصحني، يقول له: على عيني، هذا أحلى لون، والله خان الأمانة، باختيار لون خنت الأمانة.

النبي الكريم جعل الخيرية المطلقة للأهل:

شيء عجيب يتوهم الناس الدين في الجامع، لا والله، لا والذي بعث محمداً بالحق، الدين بمكان عملك، ببيتك، بحقلك، بعلاقاتك، ببيعك، بشرائك، بزواجك، بطلاقك، هناك ظاهرة جديدة لا أعرف تفسيراً لها، تجده في الصف الأول من رواد المسجد، له أعمال جليلة، وفي بيته وحش، معقول؟ هذه المرأة الفقيرة، المسكينة،

 التي هي زوجتك، ليس لها أحد غيرك، من يبتسم بوجهها إلا أنت؟ من يرحمها إلا أنت؟ لا يرحمها، يضربها، والله أنا لكثرة ما تأتيني اتصالات من زوجات يشتكين على أزواجهن بالقسوة والعنف، أكاد لا أصدق ما هذا المجتمع الإسلامي؟ النبي عليه الصلاة والسلام قال:

(( خَيرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ))

[ ابن ماجه عن ابن عباس]

جعل النبي الخيرية المطلقة للأهل، لأنه خارج البيت يهمك مكانتك، سمعتك، شخصيتك، أنيق، تبتسم، أما في البيت لا يوجد رقيب عليك، بطولتك في البيت:

(( خَيرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي ))

[ ابن ماجه عن ابن عباس]

الإسلام ليس معلومات فحسب إنما حركة وسلوك وانضباط وحب:

الإسلام ليس معلومات فحسب، ولا كلام يقال، الإسلام حركة، سلوك، الإسلام انضباط، الإسلام حب، الإسلام رحمة، هذه المثل العليا التي فتح بها الصحابة الكرام الأرض، والله أقول دائماً: لو أن الصحابة الكرام فهموا الإسلام كما نفهمه نحن لما خرج الدين الإسلامي من مكة، وصل لأطراف الدنيا بالاستقامة،

 النبي عليه الصلاة والسلام أرسل عبد الله بن رواحة ليقيّم تمر خيبر، فأغروه اليهود بحلي نسائهم كرشوة، ليخفض التقدير، للنبي نصيب من هذا التقدير إذا خفضه قلّ نصيب النبي من هذا التقدير، فقال: "والله جئتكم من عند أحبّ الخلق إليّ ـ وكان صريحاً ـ ولأنتم أبغض إلي من القردة والخنازير، ومع ذلك لن أحيف عليكم".

إنسان سأل سيدنا عمر أتحبني؟ قال: لا والله لا أحبك، قال له: وهل يمنعك بغضك لي من أن تعطيني حقي؟ قال: لا والله، قال: إذاً إنما يأسف على الحب النساء.

الإيمان قيد، أنت كمؤمن لا تقدر، والله كنت في السوق مرة لمحت بائع دجاج يمسك الدجاجة يضعها بماء مغلي وهي حية، حتى ينفصل ريشها بسهولة، أنا أعدها جريمة، يجب أن تسكن، يجب بعد الذبح أن تسكن جنوبها، ثم تعالجها، لا يوجد رحمة، النبي عليه الصلاة والسلام رأى إنساناً يذبح شاة أمام أختها، فغضب، قال له: هلا حجبتها عن أختها ؟ أتريد أن تميتها مرتين ؟

الدين الإسلامي رحمة كله:

الإسلام كله رحمة

الإسلام كله رحمة، أنا أتعجب كيف انقلب الإسلام لعبادات شعائرية فقط، يبيع سيديات إباحية، ويقف في المسجد، كيف تجمع بذهنك بين هذه الحرفة الساقطة والمحرمة وبين صلاة المسجد؟ هذه الحالة مؤلمة جداً وهي متفاقمة في العالم الإسلامي، مرة قلت لكم: عالم جليل من علماء دمشق

 ـ توفاه الله عز وجل ـ والله حدثني من فمه إلى أذني وهو من ألبانية، يسافر كل سنة إلى ألبانيا، يلقي خطبة، قال لي: أمامي عشرة آلاف، من شدة تأثرهم بخطبتي يبكون، وعندما يبكون كل واحد معه بطحة عرق، يخرجها ويشرب، هؤلاء المسلمين،

 لو سافرت إلى معظم مسلمي أوربا وروسيا الخمر والفوتكا شيء طبيعي جداً مثل الماء، خمر! بقي الدين طقوساً، ما معنى طقوس؟ حركات، وسكنات، وإيماءات، وتمتمات، لا تقدم ولا تؤخر، نحن عندنا عبادات لا يوجد عندنا طقوس،

 عندنا صلة بالله، عندنا استقامة على أمر الله، عندنا صوم عن كل المحرمات، نحن أيها الأخوة الكرام بعصر مليار وخمسمئة مليون ليست كلمتهم هي العليا، وليس أمرهم بيدهم، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل، هذا حال المسلمين، نحن نريد أن نحيي السنة، نحيي هذا المنهج، نطبق القرآن الكريم، ولا تعبأ بالآخرين فهموا أم لم يفهموا، طبقوا أو لم يطبقوا، طبقه وحدك تقطف كل ثماره،

 مبدئياً كن مع الآخرين لا يوجد مانع، انصحهم، دلهم على الله، لكن إذا لم تجد استجابة لا تيئس، هذا الدين يصلح لك وحدك، كلامي دقيق يصلح لك وحدك، أقم الإسلام في بيتك، وفي عملك، تنجو عند ربك.

الدين الإسلامي دين عمل ومواقف وتطبيق وإخلاص:

هل تستطيع ألا تتعامل إلا مع أناس مؤمنين؟ لا تصاحب إلا مؤمناً:

(( لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنا، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ ))

[أخرجه أبو داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري ]

هناك نقطة دقيقة، أنت بحاجة إلى بيئة، أنا لا أصدق أن إنساناً يصاحب أصدقاء متفلتين يستطيع أن يستقيم معهم، لا يصلوا فيغرونه بالمعاصي، فلذلك:

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾

[ سورة الكهف الآية: 28 ]

أيها الأخوة الكرام، هذا الدين دين عمل، دين مواقف، دين تطبيق، دين قرب من الله، دين إخلاص، دين نوايا طيبة، دين إنجاز، لا تجعله دين طقوس، حدثني أخ كان في بلد إسلامي قال: والله شرب الخمر وأحياناً الزنا شيء عادي جداً، ويصلون خمس صلوات، الآن كان يشرب الخمر؟ كل شيء لوحده، هذا الفصل الخطير بين الاستقامة وبين العبادة، هذا فصل أنهى الدين كلياً.

فيا أيها الأخوة الكرام، نحن في أمس الحاجة إلى فهم للدين فهماً متجدداً، فهماً عميقاً، فهماً تطبيقياً، فهم رقي، فهم سمو، فهم تصعيد ميول، ليس فهماً نصياً وحرفياً وفهماً طقوسياً، فقط هكذا الصلاة، أقبلت، ما أقبلت، استقمت، ما استقمت، تأثرت، ما تأثرت، ليس هذا مشكلة إطلاقاً، المشكلة أن تؤدى الصلوات الخمس كما أمر النبي عليه الصلاة والسلام فقط، أما ثمار الصلاة، أهداف الصلاة، شروط الصلاة، هذه ليست داخلة في المنهج.

أبعد قلب عن الله عز وجل هو القلب القاسي:

أيها الأخوة الكرام، الإنسان بحاجة إلى محاسبة أي صباحاً:

﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ﴾

[ سورة المزمل الآية: 6 ]

دائماً في زحمة العمل اتصالات، هواتف، مواعيد، أعمال، برنامج عمل، ضغوط، لكن الفجر كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:

(( من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي، ومن صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح ))

[أحمد]

فإذا أتيح لك أن تصلي صلاة الفجر في جماعة، والعشاء في جماعة، فقد غطيت الليل والنهار بأكمله، أنت في رعاية الله، في حفظ الله، في بعض الآثار النبوية القدسية: "لا تعجز عن ركعتين قبل الشمس أكفك النهار كله".

تصور أنت تمشي بحفظ الله، تحت مظلة الله عز وجل، لا تنشأ مشكلة فجأة، ويجب أن تكون واثقاً أن الله عز وجل يحبك، ولا يبتليك بشيء لا تحتمله، والدليل الآية الكريمة:

﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ﴾

[ سورة التوبة الآية: 51 ]

ما قال: كتب علينا، كتب لنا لأنها إيجابية، كتب لنا من خير، إنسان ينتسب لجماعة يأخذ ميزات كبيرة جداً، أنت عندما تمشي مع الله عز وجل لك مليون ميزة، تمشي مع خالق الكون، مع خالق السماوات والأرض، أول شيء يحفظك الله عز وجل، يدافع عنك، يلهمك الصواب، أحياناً يؤدبك محبة بك، أنت مستقيم قبل الزواج، يرزقك زوجة صالحة تسرك إذا نظرت إليها، وتحفظك إذا غبت عنها،

 وتطيعك إن أمرتها، والله الحياة جميلة جداً في ظل الإيمان، الحياة حلوة في ظل الإيمان، الله معك، عملك منضبط، بيتك منضبط، أهلك منضبطون، أولادك أبرار، والله أكاد أقول: هناك جنة في الدنيا، وأساساً يقول أحد العلماء: في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، إنها جنة القرب من الله عز وجل.

أتمنى على الإنسان أن يفهم الدين فهماً حقيقياً، فهماً عملياً، فهماً تطبيقياً، فهم سمو، فهم انضباط، فهم عطاء، لا يكون كمن قست قلوبهم فهي كالحجارة، لأن المتابعة في المعاصي والآثام تؤدي إلى قسوة القلب، وإذا قسا القلب انتهى الإنسان، وإن أبعد قلب عن الله عز وجل هو القلب القاسي.

الموضوع العلمي:

التفكر يضع الإنسان وجها لوجه أمام عظمة الله عز وجل

حاسة الشم والذاكرة الشمية

كما هي العادة في العشر دقائق الأخيرة نختار موضوعاً علمياً نتفكر به في خلق السماوات والأرض، إنكم تعلمون علم اليقين أن الله عز وجل لا تدركه الأبصار لكن العقول تصل إليه، وجعل هذا الكون مظهراً لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى، هذا الكون بأكمله جعله الله مظهراً لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى،

 فإذا تفكرت في خلق السماوات والأرض وقفت وجهاً لوجه أمام عظمة الله عز وجل، أي أروع ما في التفكر أنه أوسع باب تدخل منه على الله، وأقصر طريق بينك وبين الله، لأنه يضعك وجهاً إلى وجه أمام عظمة الله، عندنا جهاز الشم، 

عندنا عشرون مليون عصب شم، ينتهي كل عصب بسبعة أهداب، الهدب مغمس بمادة تتفاعل مع الرائحة، تشكل شكلاً هندسياً ـ موشور، هرم، كرة، مكعب، متوازي مستطيلات ـ كل رائحة لها رمز، شكل هندسي، فمن تفاعل هذه المادة أو هذا الطعام مع المادة التي على نهاية العصب الشمي، ينشأ شكلاً، هذا الشكل يشحن إلى الدماغ، للذاكرة الشمية،

 عندنا عشرة آلاف بند، شكل الرائحة المشمومة يعرض إلى أن يتوافق هذا الشكل مع هذا الشكل، تقول: هناك رائحة كمون، تقول، هل وضعتم نعنع في الشاي، أي هناك جهاز بالغ التعقيد، عشرون مليون عصب، وسبعة أهداب، ومادة لزجة، تتفاعل الرائحة مع المادة، تشكل شكلاً هندسياً يشحن للدماغ يعرض على عشرة آلاف بند، خلال ثانية تقول: كمون، هذا من تكريم الله لك.

العين آية من آيات الله الدالة على عظمته:

حاسة البصر والمطابقة

عينك صدق ولا أبالغ بهذه العين كل واحد منكم لون، لأن العين البشرية تفرق بين ثمانية ملايين لون، بل إن اللون الواحد لو درجته ثمانمئة ألف درجة، العين البشرية تفرق بين درجتين:

﴿ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ ﴾

[ سورة البلد الآية: 8]

أعظم آلة تصوير احترافية رقمية في كل ميليمتر مربع عشرة آلاف مستقبل ضوئي، في الميليمتر المربع من الشبكية مئة مليون مستقبل ضوئي، فإذا قال الله عز وجل:

﴿ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ ﴾

[ سورة البلد الآية: 8]

أودع الله في العين مادة مضادة للتجمد، تسافر إلى فنلندا، تقدر الحرارة بسبعين تحت الصفر، وعينك فيها ماء، والماء يتجمد، فلو لم تكن هذه المادة كل إنسان يسكن في المنطقة الباردة يفقد بصره، الله عز وجل وضع في العين مادة مضادة للتجمد، بالعين عدسة مرنة، وهناك عضلات اسمها العضلات الهدبية،

 تضغط على العدسة فيزداد احتدابها، وتسحبها نحو الأعلى فيزداد عدم احتدابها، مثلاً لو أنك تتابع كرة قدم، كل لحظة تعرف العين كم المسافة بينك وبين الكرة، تأتي العضلات الهدبية فتضغط على العدسة ضغطاً بحيث يقع خيال الكرة على الشبكية، هذه العملية أعقد عملية بالإنسان و تدعى المطابقة، أنا عندما أحضر شمعة، 

وأحضر عدسة وكرتونة، أحرك الكرتونة إلى أن يقع خيال الشمعة مقلوباً على الكرتونة بشكل دقيق، هذا المكان اسمه المحرق، محرق العدسة، كيف عرفته؟ قربت وأبعدت حتى ظهر خيال الشمعة مركزاً جداً، لو أبعدت الشمعة ميليمتراً واحداً لاهتز الخيال، معنى هذا أن هناك محرق دقيق في العين ثابت، هناك مشكلة كبيرة جداً ماذا أحرك؟ أحرك العدسة أضغط عليها فيزداد اهتدابها،

 هذه العضلة والله كأنها عقل كبير، تقيس المسافة وفي ضوء المسافة تضغط على العدسة ضغطاً معيناً حتى يقع الخيال على الشبكية، فأنت في الطريق ترى السيارة تمشي، معنى السيارة تمشي أي بكل ثانية هناك عملية مطابقة خاصة لها، ترى كرة قدم في الملعب، الرؤية ضمن ستين متراً، شيء مذهل جداً هناك عمليات مطابقة العقل البشري يعجز عن إدراكها، قال تعالى:

﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ* وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾

[ سورة البلد الآيات: 8-10]

الله عز وجل أنت غال عليه، في بعض الأحاديث:

(( فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ))

[متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

الله عز وجل فرد، جعلك فرداً أي قزحية عينك لا يشبهك فيها واحد من البشر، الهوية الحقيقية تضع رأسك على عدستين فيصوروا قزحية العين لتوضع على الجواز، لا يمكن للجواز أن يزور، أنت فرد بقزحية العين، فرد برائحة الجلد، فرد بنبرة الصوت، فرد بالزمرة النسيجية، فرد بالنطفة، ليس هناك نطفة رجل كالثاني، فرد بالبصمة، فرد ببلازما الدم، الله عز وجل من أسمائه الحسنى أنه فرد، وقد منحك هذه الصفة، أنا أرى أن جسمك الذي بين جنبيك أكبر آية دالة على عظمة الله، والدليل أن الله بدأ فيها:

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَق*اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ*الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ*عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾

[ سورة العلق الآيات: 1-5]

خلق الإنسان من علق، علقة أي جلطة، بعد تسعة أشهر الدماغ فيه مئة وأربعون مليار خلية، وشبكية العين فيها مئة وثلاثون مليون عصية ومخروط، والعصب الشمي عشرون مليوناً، والعصب البصري تسعمئة ألف، وأجهزة الإنسان؛ الأذن، واللسان، والهضم، والمعدة، والأمعاء، والكبد، تقوم كل خلية بخمسة آلاف وظيفة، والله الذي لا إله إلا هو لو أمضيت كل عمرك في التفكر في جسمك لما انتهى التفكر، وهذا أقرب آية بين يديك.

فلذلك أيها الأخوة الكرام، يجب أن نعرف الله، وأن نعرف أمره، نعرفه من أجل أن نعبده، ونعرف أمره من أجل أن نطيعه




المقالات ذات صله