عندما تلعب الأرض ضد أصحابها

ذا كنت من متابعي الرياضة؛ فأنت على علم بالقاعدة الشهيرة التي تقول:
(الأرض دائماً تلعب مع أصحابها)، أما لو لم تكن من مشجعي الرياضة بشكل عام؛ فأظنك تتساءل قائلاً: وما علاقتي أنا بالكرة والأرض وأصحابها؟


وهذا سؤال وجيه.. ولكن تمهّل قليلاً أيها الصديق، ودعنا نحاول سوياً تفسير العبارة، ولنبدأ بالمقصود بالأرض: هل هي عشب الملعب الأخضر الذي تجرى فوقه مباريات كرة القدم؟ أم هي جدران الصالات المغطاة التي تقام بداخلها مباريات الألعاب الأخرى؟


أرى أحد القراء يحكّ رأسه في حيرة، ولسان حاله يقول بأنه لا يعرف، وقبل أن يقول أي إجابة والسلام، أرى قارئاً آخر يمتلك رصيداً لا بأس به من الخبرة الكروية يسبقه قائلاً: الغرض هنا ليس الأرض في حد ذاتها؛ بل هي الجماهير التي تؤازر فريقها ولاعبيها بقوة.


وقد صدق هذا القارئ الخبير؛ فالأرض تلعب مع أصحابها بواسطة الجماهير المشجعة المحفزة التي تُشعل حماس لاعبيها بهتافاتها الطنانة، وعندما يلعب الجمهور ذلك الدور يُصبح الفوز هو النتيجة الطبيعية المنتظرة والمتوقعة في أغلب الأحيان.


عندما يهتف أنصارك ضدك
وقبل أن يُبدي صديق آخر تذمّره من الكلام عن الكرة ومشجعيها، عليّ أن أسارع بتوضيح العلاقة بين باب التطوير الذاتي ومدرّجات الكرة..


فتخيّل معي أن تلك الجماهير احتشدت في المدرجات، لا لتؤازر فريقها وترفع من معنوياته؛ ولكن لتهتف ضده، وتهاجم اللاعبين، وتستهجنهم إذا ما حاولوا مهاجمة شباك خصومهم، وتقذفهم بما توفَّر لها من مقذوفات إن نجحوا في إحراز هدف؛ فهل تنتظر حينها من هذا الفريق المتعوس أي خير؟ وهل يفيده في شيء أن يلعب على أرضه ووسط جماهيره؟


وعلى ملعب الحياة؛ فالأمر لا يختلف كثيراً فالشاب الذي لم يسعد يوماً بقدر كافٍ من التشجيع، هل تنتظر منه أن يحقق أي نجاحات؟!


قسوة الآباء
وتلك الشابة التي لم تسمع غير عبارات اللوم والتوبيخ هل يفاجئك تراجعها وفشلها؟!


قد يأتي هذا التشجيع المضاد من أب أو أم يعتقدان أن خير وسيلة لتحفيز أبنائهم هي الهجوم المستمرّ عليهم وإظهار أخطائهم على طول الخط، مثلما حدث مع المذيعة السمراء "أوبرا وينفري" التي كان أبوها -في أواخر مراحل طفولتها وأوائل شبابها- كثيراً ما ينهرها ويلومها؛ بل ويسخر منها، وأحياناً كان يتهكّم عليها قائلاً: أنت لن تستطيعي الحصول على مؤهلٍ عال.


وأحياناً أخرى كان يقول: أنت لن تكسبي في يوم من الأيام عشرين ألف دولار، وكأنه يقول لها بالمصري الفصيح: "ابقي تعالي قابليني لو نفعتِ"، وأظنك بالتأكيد تعرف أنها نفعت نفسها بالفعل، وتحسّنت أوضاعها مع والدها بعد ذلك.


إحباط الأصدقاء والمقرّبين
أو قد يكون هذا الإحباط الموجّه قادماً من زملاء الدراسة أو العمل الذين لا يستطيعون تخيّل أن واحداً من مجموعتهم (شِلّتهم) يمتلك قدرات أفضل منهم، أو قد يأتي من المقربين أو الجيران الذين لا يقبلون فكرة أن تكون أكثر نجاحاً منهم.


ومن منا لم يواجه مثل هذا الإحباط في مختلف مراحل حياته؟ وكم منا أراد أن يقوم بشيء نافع أو مفيد، وأثناه بعض الأصدقاء أو الأقارب عن هذا الفعل غيرةً منه وإحباطاً له؟


الطالب الذي أصرّ على إحراز الهدف
وقد يحدث هذا الصدام مع شخص تتوقع منه أن يفهمك ويدعمك بخبرته ونصائحه مثل رئيسك أو أستاذك، كما حدث مع ذلك الشاب المدعوّ "إيان ليوبولد" بجامعة "هوبرت" الأمريكية، عندما اختار أن يكون مشروع تخرّجه في أحد مواد دراسته، وهو دليل للتسوّق موجّه لفئة محددة هي طلاب الجامعات، وهذا في عام 1985؛ على أن يتضمن هذا الدليل الصغير بعض الإعلانات المتناسبة مع محتواه.


وأنهى الطالب مشروعه وقدّمه لأستاذه، وبعد قراءة الأستاذ للتفاصيل رفض المشروع، واتخذ قراراً برسوب طالبه في المادة المسئول عنها، وكأنه يقول بعلو صوته: إن هذه الفكرة غير قابلة للتنفيذ العملي؛ فما جدواها.


لكن الطالب لم يقف طويلاً أمام محدودية فكر أستاذه؛ بل أصرّ على إحراز هدف على الرغم من وجود تأييد من مشجع من أهل الخبرة، ولم يحاول إقناعه بالمجادلة وكثرة الكلام؛ بل قام بتحويل فكرته إلى مشروع واقعي، وقام بتوزيع دليله الأول بجامعة "هوبارت" الأمريكية، وكسب من ورائه حوالي ألفي دولار في منتصف الثمانينات، وبعد عامين من الاستمرارية ارتفعت أرباحه إلى 75 ألف دولار، وفي أواخر التسعينات كان يجني من وراء تلك الفكرة التي لم يقتنع بها الأستاذ؛ لأنها في رأيه غير عملية حوالي عشرة ملايين دولار!!


اختر جمهورك
إن هؤلاء الشباب والشابات الذين يتعرضون للتقريع والسخرية التي تصل إلى حد الاستهزاء عندما يحاولون ابتكار وسيلة جديدة للنجاح، أو يختارون طريقاً مخالفاً لمن سبقهم، كيف يطالَبون بتحمل المسئولية؟ وبأي منطق تتمّ مراقبتهم؟ وعلى أي أساس يمكن محاسبتهم؟


ونصيحتي لك أيها الصديق أن تحاول اختيار جمهورك، وابحث عمن يثق بك ويصدّق أنك قادر على تحقيق النجاح.. أعرف أنهم ليسوا كثيراً؛ ولكن هذا قَدَر كل أصحاب الطموح، وبعد أن تختارهم لا تكن سلبياً في علاقتك معهم وتنتظر دائماً مساندتهم دون أن تفعل شيئاً؛ بل عليك دعمهم.


ومن الأوْلى ألا تكون أنت أيضاً مشجعاً مضاداً لأحلامهم وأحلام غيرهم من الأصدقاء والمعارف؛ فلقد ذُقت وعانيت من هذا الأمر طويلاً.


وإذا كنت ممن لعبَتْ ضدهم أرضُهم، ووقف جمهورهم -غالباً- مع فِرَقهم المنافسة؛ فأرجو أن تخبرنا بذلك، ولا تنسى أن تكلّمنا عما تنوي فعله لتخطّي هذه العقبة كي يأتي يوم يصبح جمهورك في صفك دائماً، وتتحقق تلك القاعدة المنطقية، وتلعب الأرض مع أصحابها.




المقالات ذات صله