التربية التلفازية بين الإيجابيات والسلبيات

امتدت الآثار السلبية للمشاهدة التلفازية إلى عملية القراءة وتطورها عند الأطفال فمما هو معروف أن عملية القراءة ما هي إلا عملية ذهنية بحتة يقوم فيها المخ بتحويل تلك الكلمات المجردة التي نقرئها إلى فكرة عن شيء حقيقي وتنطبع في الذهن صورة هذا الشيء فعندما نقرأ كلمة ( قطة ) تنطبع في الذهن صورة قطة في عملية ذهنية تمضى في سرعة ورفق واستمرارية بينما نحن نقرأ ، والاختلاف الكبير بين هذه الصورة المقروءة والصورة التي نتلقاها عبر التلفاز يتمثل في أننا نخلق صورنا الخاصة حين نقرأ بالاستناد إلى تجارب حياتنا وبما يعكس حاجاتنا الفردية وهذا بالطبع يستلزم مجهودا ذهنيا وتركيزا بينما يجب علينا أن نقبل ما نستقبله حين نشاهد الصورة التلفازية دون بذل أي مجهود ذهني أو تركيز لذلك يقول برونو بتلهايم Bruno Bettelheim : التلفاز يأسر الخيال لكنه لا يحرره أما الكتاب الجيد فإنه ينبه الذهن ويحرره في الوقت ذاته .
ومن هنا كانت التجربة التلفازية إلى جانب أنها تقلل حاجة الأطفال إلى القراءة عن طريق شغل أوقاتهم تؤثر بصورة بعيدة الأثر في الطرائق العملية التي يقرأ بها الأطفال ( أسلوب القراءة ) والتي تتسم بالسطحية المفرطة بالإضافة إلى قلة الانتباه أثناء القراءة وعدم بذل القدر الكافي من التركيز كما أن الصبر المتطلب لعلمية القراءة يمكن أن ينفد بسرعة .
ولذلك فليس بمستغرب أن نجد انتشار ظاهرة تراجع المستوى الدراسي لأطفال التلفاز فضلا عن تدنى قدراتهم العقلية والخبرات الخاصة نتيجة حرمانهم من ممارسة القراءة وترصد [ مارى وين ] هذه الظاهرة فتقول : إن المشاهد في التجربة التلفازية تقوده مقتضيات وسيلة آلية وهو عاجز عن استخدام أرفع قدراته العقلية تطورا أو تلبية حاجاته الانفعالية الفردية ، إنه يتسلى حين يشاهد التلفاز لكن مشاركته السلبية تتركه كما هو دون تغيير من حيث المعنى الإنساني ذلك أن المشاهدة التلفازية توفر للمرء اللهو والتسلية بينما القراءة تتيح له النمو وتدعمه.
ولذلك لاحظ الباحثين وجود علاقة بين طول ساعات المشاهدة التلفازية وانخفاض مستوى التحصيل الدراسي حيث أثبتت أربع دراسات حديثة قام بها المعهد القومي للصحة العقلية MIMH في الولايات المتحدة الأمريكية أن هناك ارتباطات سلبية قوية بين المشاهدة التلفازية والتحصيل الدراسي.

• والمشاهدة التلفازية الطويلة تسببت أيضا في انخفاض مستوى مهارة القراءة المتقدمة لدى الطلاب فبعد أن خضعت مجموعة من التلاميذ لقياس NAEP أظهرت النتائج تراجعا خطيرا خلال السنوات الماضية في هذا النوع من المهارات .
ومهارة القراءة المتقدمة ( أي ذات المستوى العالي ) يطلق عليها التفكير الاستدلالي inferential reasoning وهى نوع من القراءة المعروفة غير أنها تحتاج إلى بذل تركيز أكبر لاستخلاص استنتاجات وتكوين أحكام وتفسيرات وخلق أفكار جديدة من خلال ما يقرأه المرء ، وهو العامل الحاسم الذي يشكل أساس القراءة الهادفة في شتى المجالات العلمية ومن غير هذا النوع من المهارة تصبح القراءة ممارسة سطحية ، ويرجع السبب في انخفاض تلك المهارة إلى الانتباه المسترخي غير المركز ( السلبية العقلية ) المصاحب للمشاهدة التلفازية الذي يعوق نمو قدرة الأطفال على تفسير المادة اللفظية بطريقة ذات معنى مما يجعل عملية القراءة والتحصيل شاقة جدا وفي ذلك يقول واحد من أبرع كتاب أمريكا إ. ب. وايت E.B. White : لست أعرف حقا ماذا يمكننا أن نفعل من أجل القراءة فيما عدا إلقاء جميع أجهزة التلفاز بعيدا .

• ومن أبرز الآثار السلبية للمشاهدة التلفازية في التكوين النفسي والسلوكي للأطفال هي حرمان الطفل من فترات اللعب حيث تجور ساعات المشاهدة على وقت لعب الأطفال الذي هو الشغل الشاغل للطفولة والذي يعتبر أهم أداة لنقل الكثير من المعارف والوسيلة التي يستطيع بها أن يمارس ويطور سلوكيات ضرورية لنجاحه ككائن اجتماعي ، ففي أثناء اللعب يكافح الطفل ليتغلب على المشكلات والمصاعب التي تواجهه ضمن محيطة ، لقد كان يظن أنه يمتلك القدرة على التحكم بمحيطه لكنه يتعلم سريعا أن عددا كثيرا من الأشياء لا يمكن تحريكها ( كالأشجار ) ويتعلم أيضا أن بعض الأعمال محظورة ( كإيذاء الحيوانات ) وأن بعض الأشياء تسبب الألم ( كلمس الموقد ).
كما أن اللعب له دورا هاما في نمو الطفل الانفعالي فهو يتعلم مع الوقت كيف يسيطر على سلوكه المتهور العدواني النزاع إلى الاستبداد عندما تسبب هجماته بكاء زملائه في اللعب أو تراجعهم أو تصديهم له ومهاجمته.
لذلك أدى غياب اللعب نتيجة طول فترات الجلوس أمام التلفاز إلى نكسة في نمو قدرات الأطفال وأصبح طفل التلفاز يتميز بسلبية متزايدة وقدرة أقل على تحمل الإحباطات الصغيرة وتدن في المثابرة فلا يتحمل الانهماك في عمل يبدو على شيء من الصعوبة في البداية بل إنه في حاجة دائمة إلى الإثارة والتشويق فنجده يحجم عن تحمل البداية البطيئة على أمل الفوز بمكاسب لاحقة ويرصد أحد المربين هذه الظاهرة بقوله : لقد حدثت نقلة من الأطفال النشطاء المندفعين الذين كانوا جد راغبين في فهم الأشياء والشروع في العمل إلى أطفال أكثر حذرا وسلبية ذوى اتجاهات تفتقر إلى التسلية والتوجيه إنهم حتى لا يريدون التقدم واكتشاف الأمور بأنفسهم . ويقول برونو بتليهايم : إن الأطفال الذين تم تعليمهم أو تكيفهم على الإصغاء في سلبية طوال غالبية ساعات اليوم إلى الرسائل الودية الشفهية التي تصلهم من شاشة التلفاز وإلى الجاذبية العاطفية العميقة لما يسمى بالشخصية التلفازية غالبا ما يعجزون عن الاستجابة للأشخاص الحقيقيين لأنهم يثيرون شعورا أقل بكثير من الممثل الماهر والأسوأ من ذلك أنهم يفقدون القدرة على التعلم من الواقع لأن خبرات الحياة أكثر تعقيدا من تلك التي يرونها على الشاشة .

إننا في حاجة ملحة لأن نقف وقفة حاسمة تجاه التلفاز نحدد فيها ما يمكن أن نشاهده والقدر من الوقت الذي نستغرقه فإذا فشلنا في هذه الوقفة فعلينا أن نختار بين التلفاز أو أطفالنا .

المصادر
• الأطفال والإدمان التليفزيوني ماري وين / سلسلة عالم المعرفة الكويتية عدد 247
• أخطار تهدد البيوت محمد صالح المنجد
• خطورة التليفزيون سعيد عبد العظيم
• التلفاز وآثاره السلبية عبدو محمد




المقالات ذات صله