شرح معنى الإيمان وانواع الكفر


شرح تعريف الإيمان - شرح تعريف الكفر - أنواع الكفر

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

من عرف الله انتقل من مستوى إلى مستوى :

 هناك حديث قدسي طويل، ولكن قبل الشروع في الحديث عنه، وتوضيح فقراته، أحبّ أن أقدم له بمقدمة قصيرة، وهي أن الإنسان أحياناً يكون معذباً في حياته، قد يكون ضيق ذات البين –

 فقير- قد يكون مستضعفاً لا شأن له في المجتمع، قد يكون مريضاً، أحياناً مثل هذا الشخص يتعرف على إنسان على جانب كبير من الغنى والعلم والرحمة وحب الخير يعينه في شأنه، يقدم له معونة، يحل له بعض المشكلات،

 يذلل له بعض العقبات، تصبح حياته من نوع آخر، يقول هذا الإنسان: لقد طرأ على حياتي تغير كبير بعد أن عرفت فلاناً، كنت في حال وأصبحت في حال، كنت في وضع وأصبحت في وضع، كنت أعاني من مشكلات كثيرة وكل هذه المشكلات ذللت.

 إذاً إذا تعرف إنسان فقير متعب مريض ضعيف الشان إلى إنسان من بني البشر على جانب من القوة والمناعة، وأدخل على حياته تطوراً نوعياً جذرياً، فما بال الإنسان وهو الفقير وهو الضعيف إذا تعرف إلى الله خالق الكون ذي الأسماء الحسنى والصفات الفضلى؟

 فهذه المقدمة، إذا أنت عرفت الله عز وجل يجب أن تنتقل من حياة إلى حياة، من منزلة إلى منزلة، من مستوى إلى مستوى، من مقام إلى مقام، من ضيق الدنيا إلى سعة فضل الله، من الفقر والقلق إلى الرضا والتوكل، هناك مشاعر لا يعرفها إلا من ذاقها.

الله عز وجل محط الآمال و مجيب الدعوات :

 ورد في الخبر أن الله سبحانه وتعالى أوحى إلى داود عليه الصلاة والسلام، ماذا قال الله عز وجل من خلال هذا الحديث القدسي الذي خاطب به سيدنا داود ؟ قال: ياداود من الذي دعاني فقطعت رجاءهم؟ هذا استفهام إنكاري، هل في الدنيا كلها إنسان دعاني صادقاً، دعاني مخلصاً، دعاني منيباً، دعاني تائباً، قطعت رجاءه.

﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾

[سورة التوبة: 120]

 من ذا الذي دعاني فقطعت رجاءه؟ هذا استفهام إنكاري، أي ليس في الخلق كله مخلوق واحد دعا الله عز وجل إلا بعد أن أيقن أنه لا إله إلا الله، لا مغني ولا معطي، ولا رافع ولا خافض، ولا معز ولا مذل، ولا قابض ولا باسط، ولا موفق ولا ميسر، إلا الله، من ذا الذي دعاني فقطعت رجاءه؟

ومن ذا الذي قرع بابي فلم يفتح له ؟ هل في الخلق كلهم إنسان واحد قرع باب الله؟ الإنسان أحياناً يقرع باب الناس، فلان اعتذر، إنسان بلطف قال له: ليس معي نقدي، إنسان قال له: أنا مسافر، فلان قولوا له: ليس هنا، أحياناً الإنسان يطرق باب الناس هذا يرده بلطف، وآخر بلؤم، هذا يماطل، هذا لا يرد عليه،

 أما إذا قرعت باب الله عز وجل في أي قضية في الدنيا أو الآخرة، قرعت بابه لحاجة أنت فيها، قرعت بابه لملمة نزلت بك، قرعت بابه لرجاء تعقد عليه الآمال، قرعت بابه لمطلب كبير ونبيل أن تعرفه، أن يجمعك بمن يعرفهم، من ذا الذي دعاني فقطعت رجاءه؟ ومن ذا الذي قرع بابي فلم يفتح له؟

أنا الذي جعلت آمال خلقي متصلة بي وعندي مدخرة، الآمال كلها منقطعة بما سوى الله، أما إذا وصلت هذه الآمال بالله عز وجل فكلك متصل، هذه الآمال إذا عقدها على الله عز وجل فهي متصلة بمعنى محققة، ليس هناك إنسان يأمل شيئاً ويدع هذا الأمل في الله عز وجل إلا حقق الله رجاءه.

يا داود: ما لعبدي يعرض عني؟ بعيد عني يلتفت إلى غيري؟ يتوجه إلى مخلوق مثله؟ يتذلل أمام إنسان لئيم؟ يبذل ماء وجهه أمام شخص حقير؟ يريق ماء حياته أمام إنسان غير وفي؟

 وأنا أقول إليّ إليّ، أقبل إليّ يا عبدي، فيجب أن يكون لسان الحال: لبيك اللهم لبيك، ففروا إلى الله، الإنسان كيف يفر ؟ يفر مشياً أو هوناً ! قال تعالى:

﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾

[سورة الذاريات: 50]

 يا داود: أنا محط الآمال، انظر هذه النقطة دقيقة، لا يليق بك أن تعقد آمالك على إنسان مهما كان، والدليل ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام:

(( لو كنت متخذاً من العباد خليلاً لكان أبو بكر خليلي))

[ابن إسحاق عن بعض آل أبي سعيد بن المعلى]

 لا تعقد آمالك على أولادك فيخيبوا ظنك، يسافرون ويتجنسون ويتزوجون ثم تنقطع رسائلهم، ربيته وتعبت به حتى كبر وأخذ شهادة عليا وصرفت عليه ثم نسيك، امرأة أجنبية لفتته عن أبيه وأمه، وعن وطنه وعن أمته، لا تعقد أملك على ولد، ولا على زوجة، ولا على صديق، ولا على جار، يا داود أنا محل الآمال، ربنا عز وجل قال:

﴿هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ﴾

[سورة المدثر: 56]

 هو الأهل، أن تفني حياتك من أجل الله وحده، أن تريق ماء وجهك في أعتابه وحده، أن تمرغ جبهتك وأنت ساجد له وجده، أن تتذلل له وحده، لا يصح منك ولا يليق بك كإنسان أن تخضع لغير الله، أن تريق ماء وجهك لغير الله، أن تتذلل لغير الله، أن تخنع لغير الله، أن تخضع لغير الله.

يا داود: وقلوب المشتاقين نحوي، وجعلتها في الأرض مواضع نظري، أي القلب منظر الرب، إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم.

 يا داود: بشر أوليائي وأحبائي، من أولياؤه؟ الذين أطاعوه، الولي كل الولي الذي تجده عند الأمر والنهي، إنسان عنده قطعة معدنية يظنها حديداً - معدناً رخيصاً 

- لو اكتشف فجأة أنها ذهب ومن أرقى أنواع الذهب، والإنسان إذا عرف نفسه، وعرف لماذا هو على هذه الأرض، وأنه المخلوق الأول، عرف كرامته على الله، عرف أنه مكلف، عرف أنه خلق لهدف نبيل، عرف أنه خلق لجنة عرضها السموات والأرض.

أسعد الناس في الدنيا من كان على منهج الله عز وجل :

 يا داود: بشر أوليائي وأحبائي بأن كل ساعة أريهم كرامتي، يا داود وعزتي و جلالي لأقعدنهم في الفردوس، ولأمكننهم من رؤيتي، أي أكبر عقاب يعاقب به الكفار يوم القيامة أنهم عن ربهم محجوبون، كلا إنهم يومئذ عن ربهم لمحجوبون.

 وعزتي و جلالي لأقعدنهم في الفردوس، ولأمكننهم من رؤيتي حتى أرضى عنهم ويرضوا عني.

 يجب أيها الأخ الكريم أن تعتقد أنه ما من فوز على وجه الأرض.. ما من فلاح.. ما من توفيق.. ما من نجاح.. ما من سعادة إلا أن يرضى الله عنك، فإذا كنت على منهج الله وفي طاعة الله فأنت أسعد الناس في الدنيا.

 يا داود: أخبر أهل الأرض بأني حبيب لمن أحبني، إن تابوا فأنا حبيبهم، من أحبنا أحببناه، ومن طلب منا أعطيناه، ومن اكتفى بنا عما لنا كنا له وما لنا.

 يا داود: أخبر أهل الأرض بأني حبيب لمن أحبني، وجليس لمن جالسني، ورد في بعض الأحاديث: " أتحب أن أكون جليسك ؟ فقال سيدنا موسى: كيف هذا يا رب ؟ قال: أما علمت أنني جليس من ذكرني، وحيثما التمسني عبدي وجدني" إذا أردت أن تحدث ربك فادعه، وإذا أردت أن يحدثك الله عز وجل فاقرأ القرآن.

 يا داود: أخبر أهل الأرض بأني حبيب لمن أحبني، وجليس لمن جالسني، ومؤنس لمن أنس بي، هل يأنس قلبك بذكر الله أم بذكر الناس؟ هل يضيق صدرك إذا غاب عنك الناس أو جلست في البيت وحيداً؟ هل تضجر أم تأنس بالله؟ هل تأنس في بيوت الله؟

 يا داود: أخبر أهل الأرض بأني حبيب لمن أحبني، وجليس لمن جالسني، ومؤنس لمن أنس بي، وصاحب لمن صاحبني- اتخذ الله صاحباً ودع الخلق جانباً- ومطيع لمن أطاعني، ومختار لمن اختارني، أردته فأرادك، أحببته فأحبك، أنست به فأنسك. وقل لعبادي هلموا لمصاحبتي ومؤانستي،

 وسارعوا إلى محبتي وقربي، أبوابه مفتحة، رحمته قريبة من كل محسن، توبته جاهزة لكل تائب، توفيقه حاصل لكل طالب، هداه مبذول لكل مريد.

 يا داود: لقد طال شوق الأبرار إلى لقائي، وأنا إليهم أشد شوقاً، ألا من طلبني وجدني، ومن طلب غيري لم يجدني، إذا الإنسان أراد بالصلاة غير الله لا يرى فيها شيئاً، إذا أراد بالحج السمعة والتجارة يذهب ويعود ولا يشعر بشيء، أي شيء تريده لغير الله لا ترى الله فيه.

راحة المؤمن تنبع من ذكر الله و تتبع أوامره :

 يا داود: إذا كان الغالب على عبدي الاشتياق إليّ والاشتغال بي جعلت راحته ولذته في ذكري وعشقته، ورفعت الحجاب بيني وبينه، من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته فوق ما أعطي السائلين، هم في مساجدهم والله في حوائجهم .

 أخوان كثيرون حدثوني عن قصص منتزعة من حياتهم، أنهم إذا كانوا في مساجدهم حلت بعض قضاياهم، حلت بأيسر السبل، سخر الله لهم من يعينهم على حلها، هذه الكلمة أيضاً لا تنسوها ، هم في مساجدهم والله في حوائجهم .

 قال العلماء: الإنسان إذا صلى ماذا فعل؟ في الصلاة معنى الحج ومعنى الصيام ومعنى الزكاة، معنى الصيام إنك في الصلاة تمتنع عن الطعام والشراب وكل شيء عدا حركات الصلاة وقراءاتها ففيها معنى الصيام، وإنك في الصلاة تتوجه إلى بيت الله الحرام ففيها معنى الحج، وإنك في الصلاة تنفق الوقت من أجلها،

 والوقت أصل في كسب المال، هذا الذي يغلق محله التجاري، ويأتي إلى مجلس العلم، ويصلي المغرب والعشاء ويستمع إلى الدرس، ألا ينفق وقتاً كان من الممكن أن يكسب مالاً؟ في الصلاة معنى الصيام والزكاة والحج، 

وفي الصلاة صلة بالله عز وجل، لذلك تعد الصلاة الفرض المتكرر الذي لا يسقط بحال، هي عماد الدين وعصام اليقين، وسيدة القربات وغرة الطاعات، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسموات، وقد فرضت في الإسراء والمعراج فرضية مباشرة.

 يا داود: إذا كان الغالب على عبدي الشوق إليّ والاشتغال بي، هل أنت منشغل بالله؟ تبحث عنه؟ تريد معرفته؟ تريد رضوانه؟ تريد القرب منه؟ تريد فهم كتابه؟ إذا كان الغالب على عبدي الشوق لي والاشتغال بي جعلت راحته ولذته في ذكري، أي ذكر الله أحب إليه من كل شيء:

(( أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ ، فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ ، وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ ؟ قَالُوا : وَذَلِكَ مَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : ذِكْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ))

[مالك والترمذي وأحمد في المسند والحاكم في المستدرك عن أبي الدرداء ]

 إذا كان الغالب على عبدي الشوق لي والاشتغال بي جعلت راحته ولذته في ذكري ورفعت الحجاب بيني وبينه، يحبني وأحبه، أي إذا الإنسان له علاقة مع إنسان مهم وقوي وله شأن، وأن هذا الإنسان يده تطول كل شيء، وله إن صح التعبير مونة على كل شيء ألا تسعدك هذه العلاقة. أحبه ويحبني،

 حتى لا يغفل إذا غفل الناس ولا يسهو إذا سهى الناس ولا يلهو إذا لهى الناس أولئك الأبرار حقاً، الناس يسهون، هذا الذي عرف الله لا يسهو، الناس يغفلون هذا لا يغفل، الناس يمرحون هذا لا يمرح.

 إذا كان الغالب على عبدي الشوق لي والاشتغال بي جعلت راحته ولذته في ذكري، ورفعت الحجاب بيني وبينه، أحبه ويحبني، حتى لا يغفل إذا غفل الناس، ولا يسهو إذا سها الناس، ولا يلهو إذا لها الناس، أولئك الأبرار حقاً، ياداود: إذا طلبتني وجدتني وكفيتك كل شيء،

وإن طلبت غيري شغلتك بالأسباب وطالبتك بالحقوق ولم تجدني، ياداود إني جعلت محبتي لمن لا ينساني بلسانه وقلبه، فإنه لا شيء أرقص عندي من الغفلة والنسيان، كما قلت قبل قليل الحديث طويل- مناجاة-.

 يا داود: إن رضيت عني رضيت عنك، رضاؤك عن الله عز وجل يعني أن ترضى عن أفعاله، أن ترضى بقضائه وقدره، أن ترضى بما قسمه لك من الدنيا، أن ترضى بحظوظك من الدنيا، أن ترضى بأمره التشريعي، وأن ترضى بأمره التكويني.

الفرق بين التسليم لأمر الله والرضا بقضاء الله :

 بالمناسبة جاءني سؤال هنا مناسبته، يقول السائل: ما الفرق بين التسليم لأمر الله وبين الرضا بقضاء الله ؟ هذا شرحناه في الدرس الماضي، أن من كمال الإيمان أن تسلم لأمر الله، وأن ترضى بقضاء الله، وأن تفوض إلى الله، وأن تتوكل على الله.

 الحقيقة التسليم إذا داهمك شيء لاح في الأفق آت إليك ماذا يحصل ؟ امتحان قادم، الامتحان يقترب منك يا ترى أنجح أم لا أنجح ؟ هذه الوظيفة أوفق فيها أم لا أوفق؟ التسليم أن ترضى بأي شيء يأتي إليك، بعد أن يأتي الشيء وينتهي الأمر ما الذي حصل ؟ هكذا الرضى،

فالتسليم قبل حدوث الشيء والرضى بعد حدوثه، أما إذا أنت عزمت على شيء فالتوكل على الله عز وجل، إذا الشيء قادم إليك تسلم قبل أن يأتي وترضى بعد أن يأتي، أما إذا أقبلت أنت على شيء فتوكل على الله.

الله عز وجل رؤوف رحيم لا ينسى من يذكره :

 يا داود: إن رضيت عني رضيت عنك، وإن أفردتني بالحاجة أفردتك بالإنجاح، أي حاجتك طلبتها مني، سألتني إياها وحدي، لن تشرك، إن أفردتني بالحاجة أفردتك بالإنجاح، وإن شكرتني صيرتك ملكاً في الدارين، ملكاً في الدنيا أي مستغن عن الناس، هناك حالة من الراحة والطمأنينة وكذلك في الآخرة.

يا داود: إني إذا أحببت عبداً من عبيدي ملأت قلبه خوفاً مني، وشوقاً إلى لقائي، وحرصاً على طاعتي، فالمنافق ذنبه كالذبابة، أما المؤمن فذنبه كأن جبلاً جاثماً عليه.

 يا داود: إني لا أنسى من ينساني فكيف أنسى من يذكرني؟

 ياداود: إني أجود على من يبخل عليّ فكيف أبخل على من يجود بي؟

 الحقيقة كما قلت قبل قليل إذا عرفت الله حق المعرفة، عرفت أسماءه الحسنى، قلنا في درس سابق: هناك حقائق أساسية في الإيمان، يجب أن يؤمن الإنسان بأن الله موجود، وأن الله واحد، وأن الله كامل، الوجود والوحدانية والكمال، طبعاً كل كلمة عليها أدلة كثيرة من كتاب الله، لكن إذا آمنت بوجود الله خالقاً ومربياً ومسيراً، 

وآمنت بوحدانيته ولم تشرك، وآمنت بكمالاته وأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى عندئذ تسعد به، وتكون معرفة الله - كما يقول بعضهم - منعطفاً خطيراً في حياتك، أي كنت لا شيء فأصبحت به خير شيء في الورى.

 يا داود: بشر عبادي السائلين بأني بهم رؤوف رحيم، كل حبيب يحب خلوة حبيبه، وأنا مطلع على قلوب أحبائي، وقل للمتلذذين بذكري هل وجدتم رباً أبر مني؟

 يا داود: من أطاعني وهو يحبني أسكنته جنتي وأريته وجهي، ومن عصاني ولم يحبني أدخلته ناري وأحللت عليه سخطي، ياداود: كذب من ادعى محبتي وإذا جن عليه الليل نام عني، من عرفني أرادني، ومن أرادني طلبني، ومن طلبني وجدني، ومن وجدني لا يختار عليّ حبيب سواي، بشر المذنبين بأني غفور، وأنذر الصديقين بأني غيور، للمذنب الله غفور، أما للصديق فالله غيور.

 يا داود: من لقيني وهو مستح مني لم أخجله يوم يلقاني، جنتي لمن لم يقنت من رحمتي، وغضبي على من أخطأ خطيئة ولم يتب منها.

 يا داود: لولا أنني ربطت أرواح أحبائي في أبدانهم لخرجت الأرواح من أبدانهم شوقاً إلى لقائي، إني من عبادي عباداً جعلتهم للخير أهلاً، وجعلت لهم المؤانسة نصيباً، طوبى لهم وحسن مآب.

 هذه المعاني، كلما توغلت في طريق الإيمان كلما ارتقى إيمانك، كلما ازدات معرفتك تتمثل هذه المعاني وتعكف على طاعة الله عز وجل وعلى الإقبال عليه.

الكفر هو أعظم المهلكات والإيمان هو التصديق بالقلب :

 هناك موضوع آخر نحب أن نكمل به الدرس وهو: الملاحظ أن الإنسان أحياناً من دون علم يتهم إنساناً بالكفر، والكفر كلمة كبيرة جداً، أي الكفر أخطر ما يتصف به الإنسان، لذلك أردت في هذا الملحق لهذا الدرس أن يكون هذا الموضوع واضحاً في أذهان الأخوة، الكفر هو أعظم المهلكات على الاطلاق وهو عدم الإيمان، 

والإيمان هو التصديق بالقلب، الإنسان متى يصدق ؟ من معاني الإيمان التصديق بالقلب، والإقرار باللسان، والعمل بالأركان، ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل .

 فالآن سؤالنا: كيف يريد الإنسان أن يطبق؟ أي إذا أنت سافرت إلى بلد ورأيت معالم المدينة، ثم أطلعك إنسان على صورة هذه البلد تقول: هذه حلب مثلاً، أنت متى صدقت ؟ حينما رأيت، إذاً لن تكون مؤمناً إلا إذا رأيت الحقائق من خلال تأملك بالكون، خلق الله طريق إلى معرفته، فإذا جال عقلك وفكرك في ملكوت السموات الأرض وقال الله عز وجل:

﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾

[سورة الرعد 2]

 تقول: صدق الله العظيم، أية آية تقرأها في القرآن إذا فكرت في هذه الآية الكونية وجاءت هذه الآية القرآنية تقول: صدق الله العظيم، فحينما يكون لك بحث ذاتي عن الله عز وجل، وتأتي الآيات في القرآن الكريم تؤكد بعض الحقائق أنت تصدق، لأن أدق تعريف للإيمان التصديق والدليل:

﴿وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ﴾

[سورة يوسف: 17]

 ما معنى ذلك ؟ أي ما أنت بمصدق لنا، فالإيمان تصديق، أي قلبك ممتلىء أن الله موجود لأنه هو الإله، وأنه رب، وأنه عليم وحكيم وقادر، حينما يصدق القلب معنى ذلك أن هذا القلب رأى قبل أن يصدق، كيف يرى؟ ربنا عز وجل قال:

﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا﴾

[سورة يوسف:101]

 قال:

﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾

[سورة الذاريات: 21]

 قال:

﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً ﴾

[سورة عبس: 24-25]

 فإذا نظرت أنت في كأس الماء، أو رغيف الخبز، بهذه البيضة، بكأس الحليب، بهذا الخروف، بهذا الجمل، بهذا الحصان، بهذا الجبل، بهذا الخلق الدقيق، إذا نظرت في خلق الله وجاءت الآيات تقول: الله خالق كل شيء، أنت حينئذ تصدق.

 مدينة ذهبت إليها وأقمت فيها شهراً فلما قيل لك: أهذه حلب؟ تقول: نعم، التصديق يأتي بعد المشاهدة، لذلك جاء في تعريف الإيمان: الإيمان هو التصديق بالقلب بجميع ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله تعالى والإقرار به باللسان، صدقت بالقلب، وأقررت بالسان، 

وعملت بالأركان فأنت مؤمن، هذا هو الإيمان، أما أن يدخل الإيمان إلى قلبك بلا سبب، بلا جهد، بلا بحث، بلا اهتمام، بلا سعي، بلا بذل جهد، بلا إمضاء وقت، فهذا شيء مستحيل، أساس الحياة الإيمان، والإيمان أساس الفضائل، ولجام الرذائل، وقوام الضمائر، وبلسم الصبر عند الشدائد، وهو الذي يكبح جموح الإنسان، الإيمان قيد الفتك، الإيمان عفة عن المحارم، عفة عن المطامع، الإيمان هو الحياء، الإيمان هو الطاعة.

الإيمان رؤية تسبق الإقرار :

 لذلك حينما تقول: الإيمان التصديق لقوله تعالى:

﴿وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا ﴾

[سورة يوسف: 17]

 أي بمصدق، أي القلب إذا صدق، إذاً لو عرضت نصاً وقلت لأحدهم: ما قولك بهذا النص؟ هل تشكيل هذا النص صحيح وأنت لا تعرف في اللغة شيئاً، هل بإمكانك أن تصدق شيئاً لا تعرفه؟ إذاً كأن الإيمان رؤية تسبق الإقرار، يؤكد هذا قول أصحاب رسول الله الأجلاء " أوتينا الإيمان قبل القرآن " الحقيقة ماذا تفعل الكلمات؟

 تثير عندك خبرات، لو فرضنا أن إنساناً عانى البطالة سنة، ليس معه مال أبداً،

 عانى آلام البطالة، الذل، البحث عن عمل، ضيق ذات اليد، الجوع، يحتاج إلى إنفاق ليس معه، فإذا إنسان قال: البطالة صعبة الآن أنت صدقته، النجاح مسعد تصدق، إنسان نجح ينسى كل الأتعاب السابقة، فهذه الحياة خبرات، أحياناً تأتي الكلمات وتثير هذه الخبرات.

 لو فرضنا إنساناً خلال خبراته في الحياة باع بيعة من دون تبصر، فالشاري كان نصاباً، واضطررت أن تطالبه خلال سنتين أو ثلاث، وضيعت وقتاً كبيراً وجهداً، وبذلت ماء وجهك حتى تسترد دينك، وأنت معاناة سنتين سحقت بها، قال لك إنسان في جلسة: والله الدين صعب، تقول له: نعم، تقولها من أعماقك، لماذا ؟ لأنك عانيت هذه الحقيقة.

لا يعرف الشوق إلا من يكابده  ولا الصبابة إلا من يعانيها

 فإذا الإنسان تأمل في خلقه، في جسمه، في سمعه وبصره، تأمل في الحوادث، قال لك أحدهم: المرابي آخرته الدمار، تقول: نعم والله، أنا الآن أحاول أن نضع يدنا على سرّ الإيمان، أنت إذا حاولت أن تتقصى أحوال الله كيف عامل المستقيم؟ كيف عامل المنحرف؟

 كيف عامل من طلق زوجته ظلماً؟ كيف عامل من أحسن إلى زوجته؟ كيف عامل المستقيم في البيع والشراء؟ كيف عامل الشاب العفيف؟ كيف رزقه زوجة صالحة في الوقت المناسب؟

 كيف عامل إنساناً قال: إني أخاف الله رب العالمين؟ إذا أنت تأملت فعل الله في خلقه، في مجالات كسب المال وإنفاقه، والعلاقات الاجتماعية، والدراسة، والتوفيق، والتجارة، واستنبطت بعض القوانين، وقال لك أحدهم: أنا لاحظت أن كل إنسان يأكل مالاً حراماً يدمره الله عز وجل تقول نعم والله، أنت الآن آمنت، صدقت بالحقيقة.

الإيمان تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان :

 الآن أنت إذا تتبعت ما يفعله الله بالناس، ما يجري في الكون من حوادث، فعله التكويني، واتبعت أمره التشريعي، أمرك بغض البصر، أنت غضضت البصر فسعدت في بيتك، فإذا تليت الآية تصدق:

﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً﴾

[سورة الأنفال:3]

 لما ربنا عز وجل قال:

﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى﴾

[سورة النور 30]

 نعم والله، أطهر، أزكى، أكمل، أعف، أشرف، وإذا إنسان غض بصره عن النساء يشعر بشرف، بعفة، بمكانة، فهناك نقطة أرجو من الله أن أوفق إلى شرحها، الإيمان تصديق، تصديق ماذا؟ إذا أنت دارس للغة العربية، وعرضوا عليك نصاً مضبوطاً بالشكل، كله صح، إذاً هناك معرفة مسبقة،

حينما تقرأ النص كي تصدقه، حينما تقول: صدق الله العظيم، معنى ذلك أن عندك معرفة مسبقة بالله، حتى قلت لهذه الآيات حينما تلوتها صدق الله العظيم،

 هذا معنى الإيمان، أي أنت فكرت بالكون، عرفت المكون، عرفت المنظم، عرفت المسير، عرفت الحكمة، عرفت القدرة، عرفت الغنى، عرفت اللطف، عرفت التقدير، فإذا جاءت الآيات فدعوت الله عز وجل سمعك واستجاب لك، كنت في مأزق دعوته فأجابك، فإذا قرأت قول الله تعالى:

﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾

[سورة النمل:62]

 لذلك يقولون: هي الكلمات التي تسمعها تثير خبرات، ضربوا على ذلك مثلاً كنت أقوله لكم كثيراً أن أستاذاً في الجامعة مكانته وشهادته تؤهله أن يكون ذا كرسي، هذه أعلى مرتبة في الجامعة، لسبب أو لآخر لم يتح له ذلك، شعوره أنه مظلوم شعور مستمر،

 له معاناة وآلام، يتكلم عشر ساعات لماذا لم يتح له هذا المنصب وأعطوه لغيره، فلو فرضنا أن هذا الإنسان سمع في الطريق كلمة كرسي، يمشي ساعتين وهو يقول لماذا لم يضعوني أستاذاً بكرسي؟

 والله شهادتي درجة أولى، فلان ليس بمستواي، كلمة كرسي ماذا أثارت عند هذا الإنسان ؟ شجونه، خبراته، متاعبه، آلامه، معاناته، يسمعها من حلاق عندما يقول: يلزمنا كرسي زيادة، يا ترى نأتي بكرسي ثالث أم لا ؟

 لأن هناك ضريبة أكثر وعمال زيادة وثمن كرسي، هذا مشى في خط، يسمع كلمة كرسي من إنسان تعبان يقول: ليت هناك كرسياً أرتاح عليه، يسمع كلمة كرسي من إنسان يعمل في الحمام يا ترى آخذه من البلاستيك أم من الخشب، كلمة واحدة آثارت عند إنسان لواعج، مشاكل، معاناة، آلام، هموم، عند هذا الإنسان موضوع ثان.

 ما التصديق إذاً ؟ أنت حين يكون لك خبرات مع الله عز وجل، أي أنت أطعته فأكرمك، دعوته فاستجاب لك، فكرت في الكون فاستعظمته، عاهدته فوفى لك العهد، استرزقته فرزقك، اتكلت عليه فنصرك، تذللت له فأعزك، أنبت إليه فقبلك، تبت إليه فتاب عليك، سألته فلباك، أنت إذا قرأت:

﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾

[سورة النمل:62]

 تقول: صدق الله العظيم تخرج من أعماقك، فالإيمان تصديق، أي أنت بحثت واستنبطت نتيجة فلما تلوت قوله تعالى:

﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾

[سورة الزمر: 62]

 تقول: صدق الله العظيم، إذاً الإيمان تصديق، تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان، هذا هو الإيمان.

 إذا صدقت الله عز وجل، وأقرّ به لسانك، وسلكت في طاعته الوجه الأمثل، النتيجة الطبيعية أن تقبل عليه، عرفته واستقمت على أمره وتقربت عليه، النتيجة الحتمية الطبيعية أنك أقبلت عليه، أما الكفر فتكذيب وتفلت وإساءة وإعراض.

أنواع الكفر :

1 ـ كفر جهلي :

 قالوا: الكفر ثلاثة أنواع؛ كفر جهلي- إنسان جاهل- وسببه عدم الإصغاء لحقائق الدين من أئمة الإسلام، إنسان إذا كانت نفسه مستودعاً، كلها مجلات، ومعلومات، وصرعات أزياء، ونكت، وطرائف، وأخبار مضحكة، أي كأن الإنسان وعاء غذائه كله ثقافة معاصرة، أما الإنسانة إذا غذى نفسه بكتاب الله، وسنة رسول الله، ببطولات المسلمين الأوائل، تجد أن هذه النفس امتلأت كمالاً وحقاً وصدقاً ووفاءً ورحمة وورعاً وخشية، 

الآن حينما تمتلىء خشية وحباً وورعاً وإخلاصاً ماذا تفيض؟ تفيض مما فيها، كل إناء بالذي فيه ينضح، هذا المثل أبقوه في أذهانكم: مستودع عليه صنبور من فوق وصنبور منه، بحسب ما يصب عليه من الصنبور الأعلى يعطيك الصنبور الأسفل.

 أنت الآن عش أسبوعين بأخبار الناس ومشكلاتهم، بأخبار معينة، لو زارك إنسان ليس عندك شيء تتكلم به إلا ما سمعته، أنت مستودع، غذيت نفسك بمعلومات عادية معينة فحديثك منها، فإذا غذيت نفسك بالقرآن صار حديثك بالقرآن، إذا غذيت نفسك ببطولات الصحابة صار غذاؤك الثقافي راق جداً،

 فإذا قرأت قصة ساقطة مثلاً وغذيت نفسك بها صارت خواطرك وتفكيرك وسلوكك وطموحك يستوحى من هذه القصة الساقطة، قل لي ماذا تقرأ أقل لك من أنت، قل لي ماذا تسمع أقل لك من أنت، قل لي من تصاحب أقل لك من أنت، قل لي مع من تجلس أقل لك من أنت، قل لي ماذا تتغذى أقل لك من أنت، الذي تتغذى به هو الذي تعطيه للناس.

 إذاً هنا كفر جهلي، جاهل مغذى تغذية معاصرة، تغذية من المجلات والصحف وبعض الشخصيات الفنية وأخبارها، أكثر الناس على هذا، إذا أحبّ أن يتكلم ليس عنده شيء يتكلم به ، كل معلوماته سقوط وانحراف وخيانات واحتيالات ومواقف مشينة هذا الذي قرأه هو، هذه ثقافته ومعلوماته، فقل لي ماذا تغذي نفسك أقل لك من أنت،

فلذلك المؤمن إذا فكر في الكون صار حديثه عن الكون، إذا فكر في كلام الله صار حديثه عن كلام الله، إذا فكر في أصحاب الله رأى بطولاتهم ومواقفهم المشرفة وأمانتهم وصدقهم وورعهم صار سلوكه مشابهاً لهم.

 فالقضية دقيقة جداً، الإيمان تصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان، وإقبال على الله عز وجل، الكفر تكذيب، وتفلت، وإساءة، وإعراض عن الله عز وجل، فهناك كفر جهلي وسببه عدم الاصغاء لحقائق الدين من أئمة المسلمين، وعدم الالتفات والتأمل بالآيات المنصوبة في الآفاق وفي الأنفس على الحق،

أي أنت ممكن أن تأخذ الحقائق من القرآن، ويمكن أن تأخذه من الآفاق، أو من نفسك، سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم، جسمك طافح بالآيات، الكون طافح بالآيات، والقرآن آيات، لذلك ربنا عز وجل قال:

﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾

[سورة الأنعام : 2]

 والآية الأخرى:

﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ﴾

[سورة الكهف:1]

 إذاً الكتاب جانب من جوانب معرفة الله، والكون جانب، والحوادث جانب، الجهل عدم الإصغاء إلى حقائق الدين من أئمة المسلمين، وعدم الالتفات والتأمل في الآيات المنصوبة في الآفاق وفي الأنفس، هذا كفر جهلي.

2 ـ كفر استكبار :

 هناك كفر جحودي وعنادي وسببه الاستكبار ككفر فرعون وملئه، طبعاً ربنا عز وجل قال:

﴿ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً عَالِينَ * فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ ﴾

[سورة المؤمنون : 46-47]

3 ـ كفر حكمي :

 كفر استكبار وكفر جهل، النوع الثالث كفر حكمي، إذا الإنسان أمسك بالمصحف ورماه ما قال ولا كلمة كفر، لكن إلقاء المصحف إهانة له هذا اسمه كفر، إذا استخف بأمر الله لماذا الصلاة؟ سلوك قديم، هذا وبال، هذا كفر، هو ما جعله الشارع أمارة على تكذيب الدين، أي سلوك، عمل، تصرف، استهزاء، ضحك، سباب معين، أي سلوك أو تصرف يدل على استخفاف بحقائق الدين فهذا أيضاً كفر.

 صار عندنا كفر جهلي، وكفر جحودي، وكفر حكمي، كالاستخفاف بما يجب تعظيمه من الله عز وجل، استخفافه بكتبه، استخفافه بملائكته، برسله، باليوم الآخر، إذا قال: لا يوجد غير الدنيا، هذه الدنيا جنة ونار، هذا كفر، هذه كلمة الكفر، في أحد من كان مع رسول الله تكلم بكلمة الكفر قال: إن كان محمد صادقاً فيما يقول فنحن أشد من الحمر، لو كان صادقاً أنه نبي لكنا بعدم اتباعه كالحمر، ربنا عز وجل سمى هذا الكلام الكفر.

 إذاً أي استهزاء بالله، بملائكته، برسله، بكتابه، باليوم الآخر، بأوامره، بنواهيه، بالعبادات، بالصلاة، ماهذا الحج؟ قال بعضهم وهو مسلم: والله إن مدّ لي السجاد إلى هناك لا أذهب، الحج ليس فيه شيء إطلاقاً، فإذا الإنسان أنكر فرضية الحج، أنكر فرضية الصلاة، أنكر فرضية الزكاة، أنكر فرضية الصيام، أنكر حديثاً متواتراً، أنكر آية قطعية الثبوت والدلالة أو ظنية الدلالة، استخف بأمر إلهي، هذا كله كفر حكمي، عندنا كفر جهلي، وعندنا كفر عنادي جحودي.

من ارتقى إيمانه زاد أدبه :

 أما إنسان مقصر له مخالفات لكنه متألم من نفسه له تقصير، لا يصلي لكن لا يدع الصلاة إنكاراً لحقها ولكن تهاوناً وتكاسلاً، وأنا أنصحكم أن تبعدوا عن ألسنتكم كلمة الكفر، هذه الكلمة أبعدها عن لسانك نهائياً، ليس هذا من شأنك، هذا من شأن الله عز وجل، أنت دائماً لست وصياً على العباد، وأنت ليس لديك إمكانية أن تعرف حقائق النفوس، سيدنا سعد لما قتل رجلاً كافراً قبل أن يقتله بثوان قال: أشهد ألا إله إلا الله، فغلب على ظنه أنه قالها اتقاءً،

 النبي غضب غضباً شديداً وقال: يا سعد أشققت على قلبه؟ فالقلب لا يعلمه إلا الله، فنحن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر، فكلما ارتقى إيمانك زاد أدبك، سيدنا رسول الله لما جاءه عكرمة مسلماً ماذا قال؟ إياكم أن تسبوا أباه فإن سبّ الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت، سيدنا عكرمة من أعداء رسول الله، كان شاعراً، كان يهجو النبي، وحارب النبي، حاربه في كل المعارك، والنبي أهدر دمه، وبعد أن أهدر دمه عفا عنه ودخل في الإسلام وحسن إسلامه وكان بطلاً من الأبطال.

 فأنت تعرف خاتمة الإنسان، سيدنا خالد بن الوليد كم مرة حارب النبي؟ الأولى والثانية والثالثة، ومع ذلك قال له: أنت سيف من سيوف الله، فالإنسان من الحمق والجهل أن يحكم على الناس، أو أن يقيّم الناس، أو يُنصّب نفسه وصياً عليهم، موضوع الكفر موضوع خطير جداً، من كفّر مسلماً فقد كفر، موضوع خطير جداً، بسرعة تكفر الناس، أنت عليك من نفسك، وعليك أن تكون وفق الأصول.

القرآن تؤخذ معانيه ممن يعانيه :

 كما قلت قبل قليل: الإيمان أن يكون لك جولة في الكون، وتأمل في أفعال الله عز وجل، وتدبر في القرآن، إذا تدبرت القرآن، ونظرت في أفعال الله عز وجل، وتأملت في الأكوان، عندئذ إذا سمعت حديثاً شريفاً تقول: صدق رسول الله، لو أنت في قضية آثرت رضوان الله وضحيت بالدنيا أكرمك الله مرتين، عوض عليك ما فاتك من الدنيا وزدت على الله إقبالاً وسعادة، لو قرأت قول النبي الكريم:

(( وما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))

[ الجامع الصغير عن ابن عمر ]

 ماذا تقول؟ صدق رسول الله.

 إذا أنت كنت أميناً والناس وثقوا بأمانتك وأعانوك في حياتك، أقرضوك مثلاً، وقرأت قول النبي الكريم :

(( الأمانة غنى ))

[الجامع الصغير عن أنس]

 ماذا تقول؟ صدق رسول الله، تلاحظ الإيمان تصديق، أي هناك خبرات وحقائق استقرت في نفس المؤمن، تأملات واستنتاجات و أحكام حكم بها، فإذا جاء قوله تعالى، ربنا عز وجل قال:

﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾

[سورة إبراهيم:5]

 لما ربنا عز وجل قال:

﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا﴾

[سورة الحج:38]

 وأنت كنت مؤمناً، وعدة مرات كنت على شفا هاوية وجاء شخص لا تعرفه ودافع عنك وأنقذك، وإذا قرأت قوله تعالى:

﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا﴾

[سورة الحج:38]

 ألا تقول من أعماقك: صدق الله العظيم؟ إذا أنت زوجت ابنتك لرجل مؤمن فقير لكن أعجبك إيمانه، والله عز وجل أغناه وأكرمه, أسس أسرة، لما تقرأ قوله تعالى:

﴿إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾

[سورة النور:32]

 ألا تقول: صدق الله العظيم؟ وإذا إنسان اختار الدنيا على الدين، وصار هناك متاعب زوجية، وطلاق، وإهانة، وكل يوم تتعبك ابنتك، ألا تقول أنت:" ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم" فهذا القرآن تؤخذ معانيه ممن يعانيه، إذا أنت تعاني الحقائق وتقرأ القرآن تذوب ذوباناً، يقشعر جلدك، تجيش نفسك، أما إذا أنت في واد والقرآن في واد، أنت لك خبراتك الدنيوية التي لا علاقة لها بالقرآن وتقرأ القرآن فلا تجد فيه شيئاً، أين التصديق؟ لا تصديق.

 فالإيمان تصديق بالقلب، فكلما جلت في الكون وانتهيت إلى حقيقة استعظمت الله بها، إنما يخشى الله من عباده العلماء، وكلما تدبرت آيات القرآن، وكلما تأملت أفعال الله عز وجل واستقرت بعض الحقائق، مرة قلت لكم: إن شخصاً كان في طريق يقود سيارة، على طرف الطريق جرو صغير، كانت الأيام باردة والطريق المعبد أدفأ من التراب في الشتاء لأن لونه أسود يمتص أشعة الشمس، هذا الجرو جالس على طرف الطريق المعبد يستدفئ به،

هذا الشخص قائد السيارة أراد أن يتسلى وأن يظهر براعته في قص أيدي هذا الجرو، فاتجه نحوه وجعل العجلة فوق يده فقط، وأطلق ضحكة ساخرة، كان إلى جانبه شخص هذا الذي روى لي القصة، والله رواها لي لغرابة، هذه القصة يصعب أن تصدق.


 


بحث مفصل



المقالات ذات صله