التربيه و المناهج الدينيه

إن المناهج الأرضية التربوية شرقية كانت أم غربية تتفق على هدف واحد في مناهجها , وهو إعداد (المواطن الصالح) , وذلك على إختلاف هذه المناهج في صيغة هذا المواطن وصبغته.

فقد يكون هو الإنسان الذي يقدس العمل والإنتاج وتقاس قيمته ومواطنيته بقدر ما يعمل , فإذا توقف عن العمل أصبح كالآلة المخربة , إما أن تعود لتنتج وإما أن تسقط من عداد عوامل الإنتاج في المجتمع.

وقد يكون هو الإنسان الذي يتعصب لجنسه وأصله فيرى غيره وطيا دنيا لا يستحق سوى الخدمة والعبودية.

وهكذا تتنوع المواطنة الصالحة حسب رغبة وأهواء تلك العقول المربية لمربيها وتبعا لهذه المفاهيم المحدودة للمواطن يتحدد صلاحه أو عدمه , وعلى ذلك فالذي يقوم بالفتك بالآخرين واتباع كل سبل الإجرام والظلم والطغيان على غيره من الأفراد أو الجماعات أو حتى الشعوب يعتبر مواطنا صالحا في نظر دولته مادام يحقق بذلك نفعا وصلاحا لتلك الدولة ولا ينظر البتة إلى غير ذلك , وقس على هذا أمم الأرض اليوم فكلها تشترك في هذا الهدف ...أما الإسلام فهو يختلف عن هذه المناهج إختلافا عميقا من حيث النظرة الأولية والهدف .

فمن حيث النظرة الأولى فإنه لا يحصر نفسه في حدود تلك النظرة الضيقة لهؤلاء المربين , فلا يسعى إبتداء لإعداد (المواطن الصالح) وإنما يسعى ابتداء وانتهاء إلى هدف أسمى وأكبر وأشمل ألا وهو إعداد (الإنسان الصالح) , لأن رسالته إنسانية لا مواطنية تتجاوب مع إنسانية الإنسان لا مواطنية تتجاوب مع إنسانية الإنسان لا مواطنيته فينظر إلى جوهر وفطرة هذا الكائن دون النظر إلى جنسه أو لونه ثم لا يقف الأسلام عند هذا الحد فحسب , بل يتعداه إلى هدف وغاية أكثر عمقا وسموا ألا وهي إعداد (الإنسان المصلح) فهو لا يهدف للوصول إلى الغاية الأولى بل يريد من الإنسان الصالح أن يضمن صلاحه ويعمل لنقله إلى الأجيال التالية , لأن قيمة الهدف في الإستمرار ولن يكون استمرارا , ما لم يكن الصالح مصلحا .

ودائرة المصلحة أكبر وأعم من دائرة المصالح , فكل مصلح صالح –لأن فاقد الشئ لا يعطيه- ولا عكس إذ ليس لكل صالح يلزم أن يكون مصلحا .

وهذا الهدف السامي نابع من نفس منهج هذا الدين لأنه منهج دعوة عالمية للناس كافة , ولن يتحقق هذا الهدف حتى لو كان الناس كلهم صالحين , فلابد أن يكونوا مصلحين أو على الأقل يكون منهم مصلحون.

ولذلك يقول تعالى : (والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين)(الأعراف 170) .

وقال سبحانه : (فمن تاب بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه)(المائدة 39) .

وقال تعالى : (فمن ءامن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)(الأنعام 48) .

وقال عز وجل : (فمن عفا وأصلح فأجره على الله)(الشورى 40) .

وقال : (إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا)(البقرة 160).

وقال : (إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله)(النساء 146).

وقال : (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون)(هود 117).

وقال : (إنا لا نضيع أجر المصلحين)(الأعراف 170).

وقال : (وما تريد أن تكون من المصلحين)(القصص 19).

فإذا وجد الإنسان هذا (الإنسان الصالح) الذي يريده الإسلام تحققت الثمار التي قصدها , فإذا نظرت إليه قلت هو الكريم عند الله لما تجده من صفات التقوى والورع (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) (الحجرات 13) .

وإذا سمعته شعرت لكلامه جرس الصدق وملامح الهمة العالية التي نتشد رضا الله عز وجل وإن سخط الناس ورأيت فيه غض البصر وصيانة الفرج .

ويتمثل قوله تعالى (ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض , ولن تبلغ الجبال طولا)(الإسراء 37).

ويراه الناس مثال المتسامح العفيف , ذو النخوة والهمة الباذل إذا احتاج الناس المشمر إذا حزب الأمر , أينما توجهت تجده في الصدارة دائما يسارع حيث الخير والبذل والعطاء ملبيا نداء ربه (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس).

ورأيت في المحب لأخيه فيما يحبه لنفسه ويؤثره على نفسه ولو كانت به خصاصة ممتثلا قول النبي (ص) (لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره أو قال لأخيه ما يحب لنفسه) , وهكذا يريد الإسلام من التربية أن تكون , صياغة للإنسان إيجابية حية , لا يسكت المسلم فيها على ضيم يصيبه أو يقع دونه , ولا يرضى بالمنكر في ساحته , ولا بالخنا في داره ولا قريبا منه , يشغل وقته آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر , هو القدوة التي يرمقها من حوله فيتأثروا به ويؤثروا في الآخرين بدورهم صلاحا وإصلاحا , تماما كما فعل النبي (ص) في إصلاح الرعيل الأول ثم عين لهم الهدف وتركهم يرشدون الناس والبشرية قاطبة جهة الصلاح والعدل فكان من أمرهم وأمر الناس ما كان ....




المقالات ذات صله